تضييقات على الاعلاميين.. حملات تكفير.. مصاعب الادماج الاجتماعي: الحرية أولا!!

لا يمكن لأحد أن يلوم التونسيين عامة أو الإعلاميين والمثقفين خاصة على تشبثهم بحرية التعبير

وبحرية التفكير ولا على أن يدقوا ناقوس الخطر كلّما شعروا بأن هنالك تهديدا للحريات بصفة عامة ..

والإشكال أن هنالك إحساسا بتفاقم محاولات استهداف الحريات أحيانا ببعض المبادرات التشريعية التي تهدف إلى الحدّ منها (كمشروع قانون زجر الاعتداء على الأمنيين ) وأحيانا بالتضييق على الإعلاميين في الميدان وتارة أخرى بحملات التكفير أو التخوين أو التشويه كما حصل مع المفكر يوسف الصديق. والخطر هنا هو انخراط بعض من أنيط بعهدتهم الدفاع عن الحقوق والحريات في بعض هذه الحملات ونقصد هنا بالتحديد بعض المسؤولين الجهويين في نقابات أمنية ظنا منهم بأنهم يدافعون بذلك عن وزارتهم ،وزارة الداخلية ، في حين أنّهم يسيؤون لسلكهم ولوزارتهم ولبلادهم وبعض مّما يخطونه من قذف وثلب يقع بوضوح تحت طائلة القانون ..

نريد في هذه اللحظات الحرجة أن يثوب الكل إلى رشدهم وأن تتدخل السلطة التنفيذية والطبقة السياسية حكما ومعارضة ،بكل ما أوتيت من قوة لنضع ،جميعا،النقاط على الحروف ..نحن لا نريد حربا بين الإعلاميين والأمنيين ولكن لا يمكن أن تقبل دولة ديمقراطية بتصرفات بعض الأمنيين وبأقوال بعض المسؤولين وذلك أيا كانت الحجة لأن التراجع عن المكاسب يبدأ هكذا ..تراجع من هنا وانفلات من هناك وصمت جبان فتعوّد على الانتهاك فتمهيد للانتهاك التالي وندخل هكذا في دوامة رهيبة تكون الحريات والديمقراطية ضحيتها الأولى والأخيرة..

نحن نقدر بأن بلادنا قد أنجزت الكثير في إرساء دعائم نظام ديمقراطي وان الثورة قد سمحت باختصار كبير للزمن عندما أطاحت برأس الحكم ممّا يسر جل الإصلاحات السياسية وسمح بإقامة انتخابات حرّة ونزيهة وبكل هذه المشهدية الديمقراطية والتعددية والتي تجعلنا اليوم الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي وذلك في كل التصنيفات الدولية وآخرها ترتيب مجلة « The Economist» البريطانية والذي حافظنا فيه على المرتبة 69 ضمن قائمة «الديمقراطيات غير المكتملة» بينما تأتي المغرب في المرتبة الثانية عربيا و101 دوليا ضمن قائمة «النظم المختلطة» أي التي تمزج عناصر من الديمقراطية مع أخرى تنتمي للنظم الاستبدادية مع العلم انه وحدها لبنان وفلسطين والعراق تنتمي لهذه القائمة بينما تقع كل الدول العربية الأخرى في قائمة «النظم التسلطية» . ولو أخذنا فقط مؤشر المشاركة السياسية لوجدنا أنفسنا في المرتبة 13 عالميا ..

نقول كل هذا حتى لا نسقط في نظرة مانوية وحتى لا يذهبن في ذهن القارئ الكريم أن بلادنا اليوم تشبه ،ولو من بعيد ،النظم التسلطية كما كان الحال قبل الثورة التونسية ..

ولكن لا يمكن لأحد أن يقول بأن ديمقراطيتنا قد ترسخت بشكل نهائي وأنها لم تعد مهددة بالانتكاسة خاصة عندما نستمع إلى بعض الأصوات داخل السلطة التنفيذية تبدي نوعا من التبرم بهذه الحريات «المبالغ فيها» وان «انفلاتها» هو المسؤول عن وضع الاضطراب وعندما يشير هذا التبرم إلى دور الإعلام «المنفلت» سواء أكان أجنبيا هذه المرة أم محليا فهذا تبرير واضح – أو قد يفهم هكذا – لعودة المكبوت عند بعض من لم يهضم بعد أننا انتقلنا من مرحلة إلى أخرى بصفة جذرية..

ولكن الملاحظة الدقيقة لما يعتمل داخل مجتمعنا تجعلنا نخشى من تعدد الجهات التي تحدد الحريات فجزء من التونسيين لم يقطعوا بعد بصفة نهائية مع ثقافة التكفير وهذا ما لاحظناه في الردود المتشنجة ضد آراء الفيلسوف يوسف الصديق تكفير يشجعه بصفة غير مباشرة كل أولئك الذين يتدخلون في الفضاء العام ليقولوا بأن هذا الرأي «موافق» للإسلام والآخر «مخالف» له فهذا «التأصيل» الفقهي كما يقال يمهد للتكفير وللبذاءة أيضا ولا يوفر شروط التعبير الحر لأنّ هذا الضغط الذي تمارسه أطراف فوضت لنفسها النطق باسم الإسلام «الصحيح» يمثل بدوره تهديدا هاما لحرية التفكير والضمير في بلادنا ..

ولا ينبغي ان ننسى بالأساس ان فشل البلاد في انتقالها الاقتصادي والاجتماعي سيؤدي حتما إلى فشل سياسي وتهديد مصيري للانتقال الديمقراطي وهذا ما اطنبنا فيه الحديث مرارا وتكرارا. والانتقال الاقتصادي والاجتماعي لا يعني فقط تحقيق نسب نمو مرتفعة – على أهمية هذا الأمر – ولكن وبالأساس تنمية تهدف إلى تقاسم ثمار النمو والى رفاهية مشتركة وهذا يتطلب تحولات عميقة في بنية انتاج الثروة والخيرات وفي بنية توزيعها وهذا يستوجب مقاومة جذرية للتهميش ولثبوتيته في بعض الدوائر المجالية (الجغرافية) والاجتماعية ..

فهذا الانتقال الاجتماعي والاقتصادي لن يقع الا في إطار ديمقراطي ولكنها ديمقراطية استوعبت المسالة الاجتماعية بهذا المنظور وهذا ما لم تتوفر بعد أطره الواضحة ..

هنالك ولاشك تهديدات عدة للحريات دون أن يعني ذلك أن هنالك عودة إلى نظام تسلطي وهنالك تحديات عدة اقتصادية واجتماعية قد تهدد بنسف الانتقال الديمقراطي ذاته ولكن كل ذلك لن يحلّ الا بالحرية أولا وأخيرا ..حرية لا تفرق بين حرية الضمير والمعتقد وضرورة غرس الأمل عند كل شباب البلاد وخاصة منهم فاقدي الأمل في مناطق التخوم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115