حتى لا نسيء: إلى صورة تونس حرية الصحافة والصحفيين المحليين والأجانب خطّ أحمر !!

تظهر كل عمليات سبر الآراء وكل حوار مع المواطنين أن حرية التعبير هي المكسب الرئيسي لهذه السنوات السبع ،

ولكن يخطئ من يعتقد أنّنا إزاء حرية انغرست بصفة نهائية في البلاد ، فما يميز مراحل الانتقال الديمقراطي هو سعي قوى عديدة إمّا لتوظيف هذه الحرية أو للحد منها والتحكم في مخرجاتها.. وتونس تعيش اليوم هذه الوضعية إذ بات من الواضح أن حرية الإعلام تقلق الكثيرين فيعمدون إلى وصفها بالانفلات، وككل «انفلات» لابدّ من «ردع» بل يصبح هذا التوصيف مبررا مباشرا وغير مباشر لكل عملية ردعية فيما بعد..

ولن نحصي الحالات التي تبرمت فيها السلطة التنفيذية ومختلف مراكز القوى السياسية والمالية من «انفلات» الإعلام المحلي وبأن «الحرية» ليست الـ«فوضى» في دعوات نصف صريحة نصف مبطنة إلى تدجين للإعلام بدعوى حمايته من «انفلاتات» بعض أفراده..
وما يدل على كوننا أمام خطر حقيقي لا مفترض هو تحول التبرم من انفلات الإعلام الوطني إلى الإعلام الأجنبي في تغطيته للأحداث التي شهدتها بلادنا خلال الأسابيع الأخيرة وما صاحبها من دعوات غريبة لإحياء وكالة الاتصال الخارجي غير المأسوف عليها ولكن فاض الكأس عندما انتقلنا من الأقوال إلى الأفعال ومن ايقافات ، ولو وقتية، شملت بعض المراسلين الأجانب وما رافقها من تهديدات ومن ممارسات أمنية خلنا أن عهدها ولّى وانتهى ممّا أدى بالنقابة الوطنية إلى إصدار لائحة مهنية يوم 23 جانفي اثر اجتماع مكتبها التنفيذي بمراسلي الصحافة الدولية في تونس ولكن التشكيات تواصلت فأصدرت النقابة بيانا يوم 27 جانفي يمثل عنوانه توصيفا مريعا لجملة هذه التجاوزات الأمنية «وزارة الداخلية تعود لسياستها القمعية

تجاه الصحافيين»..

ورغم سعي وزير الداخلية يوم أمس إلى الطمأنة والتأكيد على أن الحوار مع نقابة الصحفيين مفتوح وأنه بالإمكان تجاوز كل سوء تفاهم أو بعض الأخطاء ولكن قوله بأن ما حصل هو تثبت في اعتمادات بعض الصحفيين ومساءلة صحفي تواصل ليلا بالهاتف مع بعض المحتجين يبعث بدوره على الحيرة لان ممارسات كهذه لا تليق البتة بدولة ديمقراطية احد مميزاتها حرية تنقل الصحفي وملاقاته ومحادثته مع من يريد إلا في حالات قصوى حين يثبت تورط الصحفي في عمل إجرامي ، والحال أنّنا بعيدون كل البعد عن هذه الفرضية وأن كل المراسلين الأجانب الذين تمت هرسلتهم (لا وجود لكلمة اخرى لتوصيف ما حدث) إنما كانوا يقومون بواجبهم المهني ليس إلاّ ويسعون إلى معرفة معلومات ومعطيات من جهات غير رسمية وإن كان ذلك من بعض «المحتجين الليليين».

يبدو أن هنالك آليات عمل ديمقراطية لم تتعود عليها بعض الأجهزة الأمنية وأن قياداتها الميدانية والإدارية لم تحرص على زجر كل هذه الهرسلات إن لم تكن هي التي أعطت التعليمات المباشرة أو أطلقت اليد لهذه «الاجتهادات» غير المقبولة بالمرّة..

لا تختبر الديمقراطية زمن الهدوء والحالات العادية والمسيرات الصامتة والمنظمة والسلمية جدّا.. الديمقراطية تختبر زمن الأزمات والعواصف والحالات غير العادية فهنا تتضح الديمقراطية الفعلية المستبطنة من تلك التي فرضت نفسها كشعار بينما بقيت بعض الممارسات لا تنتمي إليها. والعلاقة مع الصحفي هنا مؤشر أساسي لا لكونه فوق القانون والمساءلة بل لأن عمله الميداني هو في لبّ العملية الديمقراطية وكل حدّ من تحركه أو هرسلته أو مساءلته عما يفعل إنما يعكس الضيق والضجر بالحقيقة أو لنقل بالصورة المنقولة حتى لو اعتقدنا أنّها ظالمة وجزئية، فمن حق كل الجهات أن ترد على معطيات تعتبرها خاطئة ولكن لا يحق لأحد، وخاصة لرجالات السلطة التنفيذية أن يمارسوا أي نوع من أنواع الضغوط أو القيود أو المراقبة على عمل الصحفي .. من حق الأمني في النظام الديمقراطي أن يضع حواجز مكانية إن تعلق الأمر بجريمة أو بعملية إرهابية أو غيرها ولكن لا يحق له أن يضع أي صنف من أصناف الحواجز المادية أو المعنوية على عمل الصحفي في الميدان لأن كل حاجز إنّما هو انتهاك لحق المواطن في المعلومة قبل أن يكون انتهاكا لعمل الصحفي..
ولنكن صريحين ونزهاء : إنّ مناخ التأليب على الإعلام هو الذي يولد ويبرر مثل هذه التجاوزات وإنّ كل حديث من قبل رموز السلطة التنفيذية عن «انفلات» الإعلام أو عدم حياديته من شأنه خلق مناخ يجيز للأمني على الميدان هرسلة الإعلامي وتهديده ولو بالتلميح ..

إن من واجب المسؤول السياسي أن يؤكد في كل الحالات وفي كل المناسبات لاسيما ونحن مازلنا في مرحلة الانتقال الديمقراطي أن عمل الصحفي عنصر أساسي للديمقراطية حتى وإن لم تعجبنا طريقة نقله للأحداث أو التعليق عليها وحتى إن رأينا في بعض ما ينقل نوعا من الانتقائية أو من الغبن لحق واضح..
وحده التصرف المثالي السياسي والأمني مع كل الإعلاميين بلا استثناء هو المؤشر الأول على أن حرية الإعلام في بلادنا أضحت ركيزة أساسية لا رجعة فيها لبناء الديمقراطية التونسية ،ويمكن أن ننفق مال الدنيا في تلميع صورة البلاد ولكننا سنهدر كل هذا أمام أول هرسلة لإعلامي وحيد..

الطريق واضحة لا لبس فيها لكل من يريد العمل على تحسين صورة البلاد في الداخل والخارج : التصرف المثالي مع كل عمل إعلامي ،وهذا التصرف لا يمنع من ممارسة حق الردّ إن اعتقد صاحب القرار بأن هنالك خطأ في نقل المعلومة ولا يمنع أيضا من التقاضي إن كان هنالك ما يدعو لذلك ولكن دون ممارسة اي نوع من أنواع الضغوط فما بالك بالهرسلة والتثبت في هوية من تدل كل المعطيات انه يعمل كصحفي في ضوء النهار أو حتى بالأضواء الليلية الكاشفة ..

نحن لا نزعم أن إعلامنا الوطني خال من المطبات ومن الانفلاتات، وأنه لا يستوجب إصلاحات ولكن هذا شأن ومحاولات وضع اليد عليه شأن آخر..

لا نريد لبلادنا ولأمننا الانزلاق التدريجي نحو ممارسات بالية ، بل نريد يقظة جمهورية تدفع بأصحاب القرار إلى معاقبة كل تصرف يمس من حرية الإعلامي بدل الاجتهاد في إيجاد تبريرات لم تعد تقنع إلا أصحاب نظرية العصا الغليظة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115