بعد انسحاب أربعة أحزاب: ماذا بقي من وثيقة قرطاج وأيّة استراتيجية للحكومة ؟

انسحب يوم أمس ، كما كان متوقعا ، حزب مشروع تونس من وثيقة قرطاج وأعلن أمينه العام محسن مرزوق بأن الحزب

لن يساند من هنا فصاعدا حكومة يوسف الشاهد .. والسؤال البديهي هو هل مازال بوسعنا الحديث عن حكومة وحدة وطنية بعد انسحاب نصف الأحزاب الداعمة لها ( 4 من أصل تسعة وهي حركة الشعب والجمهوري وآفاق والمشروع) خاصة وأن حزبين آخرين (المسار والمبادرة) لهما انتقادات هامّة على التحالف الحاكم الندائي النهضوي والذي يعيش بدوره أزمة علاقة حادة ..

سياسيا اليوم أصبح اتفاق قرطاج لا يعني شيئا كبيرا بالنسبة للحياة الحزبية رغم تشبث خمسة أحزاب به (النداء والنهضة والوطني الحر والمبادرة والمسار) ولكن اختلافات هذه الأحزاب وتناقض مصالحها اكبر بكثير ،اليوم ،من العناصر الجامعة بينها ..
لاشك أن المنظمات الاجتماعية الموقعة على اتفاق قرطاج مازالت تعلن تمسكها بهذه الوثيقة بل وتدعمت صفوفها بالتحاق الاتحاد الوطني للمرأة التونسية ولكن الحزام السياسي للحكومة بصدد التذرر بشكل شبه نهائي..

كيف ستنعكس هذه الوضعية الجديدة على حكومة يوسف الشاهد خاصة وأن أصواتا عديدة تطالب بحكومة تكنوقراط للإعداد للانتخابات العامة في نهاية 2019..حكومة لن تكون معنية بالطبع بالترشح للانتخابات ؟..
يبدو أن هذه «التجاذبات» الحزبية قد توفر للحكومة بعض الهدنة خاصة وأن كل الأحزاب ستكون مشغولة هذه الأسابيع بإعداد قائماتها الانتخابية ثم بحسن الاستعداد لأصعب موعد ينتظرها جميعا سواء كانت في الحكم أو في المعارضة ..

ولكن هل يمكن للحكومة أن تكون غير معنية بنتيجة الانتخابات البلدية نهاية وبالحملة الانتخابية بداية وكيف سيتصرف وزراؤها المتحزبون خلال هذه الأشهر القادمة ؟

البداية كانت مع النداء الذي «انتدب» عشرة أعضاء من الحكومة للإشراف على حملته الانتخابية في الجهات فهل ستتبعه النهضة وحزب المسار كذلك ؟ وهل سيتحول الصراع الندائي النهضوي المرتقب في الميدان الى مناوشات في الحكومة ؟
ولكن المشكل الأكبر اليوم ليوسف الشاهد ولحكومته هو في الفرضيتين القصوويين: انتصار باهر للنداء في ماي 2018 أو هزيمة نكراء.. ففي الحالة الأولى قد يمتص النداء الحكومة بصفة كلية وفي الحالة الثانية قد تنهار منظومة الحكم بأسرها ..

هل سيدفع التوجس من الاحتمال الثاني حكومة الشاهد إلى الانخراط بقوة في الحملة الانتخابية للبلديات ؟

أسئلة كثيرة والإجابة عنها ليست هينة رغم أنها تمثل اليوم الشغل الشاغل لكل أصحاب القرار ،فهنالك خشية من انهيار الحزب الأول على غرار ما حصل في الانتخابات الجزئية بألمانيا وهذا معنى التأكيد المتكرر لرئيس الجمهورية في اجتماعي الممضين على وثيقة قرطاج على الأهمية البالغة للانتخابات البلدية وعلى ضرورة حسن استعداد الأحزاب السياسية لها ..
تعيش تونس ، دون مبالغة ،أسابيع ستكون لها انعكاسات جوهرية على حياتها السياسية في السنوات القادمة ..

ستكون الانتخابات البلدية في ماي القادم كالمصفاة وستقضي على أحلام وطموحات كثيرة ولكن من يخرج منها سالما سيغنم كثيرا بدءا بجسم جديد من المنتخبين وانغراس شعبي سوف يسمح له بخوض الانتخابات العامة القادمة (التشريعية والرئاسية) بحظوظ وافرة للنجاح.
الإشكال الأساسي للجميع هو ضرورة انتظار نتائج ماي 2018 قبل الاستعداد لخوض المعركة المصيرية في 2019 ..والحكومة مضطرة للعب على حبلي السياسة والاقتصاد معا دون أن تعطي الانطباع بأنها تحولت إلى مطبخ سياسي صرف..

وفي الأثناء تواصل وثيقة قرطاج مسيرتها المتعثرة بمن بقي فيها في انتظار مغادرات قادمة أو تأويلات خارقة وحارقة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115