الانتخابات البلدية والمنعرج السياسي

ثلاثة أشهر ونصف بالكاد تفصلنا عن أول انتخابات بلدية تعددية في تاريخ تونس المعاصر..

انتخابات كل شيء ينبئ أنها ستكون منعرجا سياسيا هاما سيغير الكثير من التوازنات الحالية وسيفتح آمالا عريضة للبعض للاستحقاق الوطني في أواخر 2019 (التشريعية والرئاسية) وقد يغلق نهائيا طموحات اخرين..
لاشك أن هنالك أرقاما ومعطيات كثيرة ستكون تحت مجهر كل المتابعين بدقة للشأن السياسي التونسي..

• أول هذه أرقام هو نسبة مشاركة الناخبين فالجميع يخشى من عزوف كبير ومن نزول نسبة المشاركة تحت سقف %50 والفشل هنا سيكون عاما ولا تتحمله أحزاب الحكم لوحدها بل كل المنظومة الحزبية والتي تكون قد أثبتت في هذه الوضعية عدم قدرتها على التعبئة الدنيا للمواطنين.. فمع نسبة مشاركة هزيلة سيتقاسم الجميع الإخفاق بما في ذلك المنتصرون أنفسهم..

• المعطى الثاني هو معرفة هل مازلنا في حالة الاستقطاب الثنائي الموروث من انتخابات 2014 أم لا ؟ وهل مازلنا فيه بنفس موازين القوى أم لا ؟ بعبارة أخرى هل سيفصح الصندوق عن ثنائي النداء والنهضة بتقدم كبير على بقية الأحزاب أم أن ثلاث سنوات ونصف من الحكم المشترك ،رغم محاولة فك الارتباط الأخيرة، ستجبر أحد الحزبين أو الاثنين معا على دفع فاتورة الغضب الشعبي وستسمح لقوى جديدة باحتلال المواقع الأمامية في النتائج النهائية..
كل الأنظار ستوجه إلى النتيجة الوطنية التي سيحصل عليها نداء تونس لمعرفة وزنه الانتخابي الحقيقي اليوم وهل مازال ذلك الحزب الذي انتصر بما يقارب %40 من أصوات الناخبين في 2014 أم لا ؟وغني عن القول بأن استراتيجية نداء تونس القادمة ستقوم على قراءة دقيقة لحقيقة وزنه الانتخابي ..
يبدو انه من المستبعد ان يعيد نداء تونس نتائج 2014 بحجمها وزخمها ولكنه يكتفي بالانتصار وذلك مهما كانت نسبة التصويت لفائدته على شرط أن يحافظ على فارق محترم مع حركة النهضة وألا يسمح بأصوات وسطية بمنافسته بصفة جدية على قاعدته الانتخابية..

• حسابات حركة النهضة مختلفة إلى حد ما فهي غير معنية بالفوز على المستوى الوطني ولكنها لا تريد بالتأكيد ان تصبح حزبا عاديا كبقية الأحزاب فرهان النهضة الأساسي هو أن تثبت بأنها حزب محوري في الحياة السياسية وأنها أساسية في تشكيل كل تحالفات الحكم ولتحقيق ذلك ينبغي للنهضة أن تحافظ على الفارق الكبير الذي حققته على بقية الأحزاب باستثناء النداء (أكثر من عشرين نقطة)

• هل ستتمكن أحزاب المعارضة الوسطية أو اليسارية من كسر الاستقطاب الثنائي الندائي النهضوي في الانتخابات البلدية القادمة ؟ هذا السؤال يؤرق هذه الأحزاب اليوم ..
جل هذه الأحزاب جعلت من نقد النداء والنهضة عنصرا أساسيا في تموقعها الفكري والسياسي ولكن لا معنى لهذا الموقع إن لم يلاق حدّا أدنى من التأييد الشعبي وإلا ستصبح هذه الأحزاب اقرب الى المنتديات الفكرية والسياسية منها إلى الفعل السياسي القادر على التغيير وقلب المعادلات بالانتخابات..
كل الأحزاب المصطلح على تسميتها بالصغيرة أو الوسطى هي اليوم أمام امتحان إثبات الوجود وأنها ليست ظاهرة صوتية فحسب وأنها تمثل شيئا ما في المجتمع اليوم وهذا لن يتأتى إلا للأحزاب التي ستتمكن من تجاوز عتبة %5 على المستوى الوطني مع العلم أن أحزابا ثلاثة فقط (باستثناء النهضة والنداء) تمكنت من تجاوز هذا الحاجز وهي المؤتمر من اجل الجمهورية بـ%8.5  والعريضة الشعبية (تيار المحبة الآن ) بـ%6.9 والتكتل بـ%6.8 وكان ذلك في انتخابات المجلس التأسيسي فقط..
ولعل صعوبة هذا التحدي هي التي تفسر تهوين العديد من الاحزاب من شأن الانتخابات البلدية ،ولكن اليوم سبق السيف العذل ،فبعض هذه الأحزاب ستتقدم بألوانها الخاصة وبعضها الآخر اختار التحالف ضمن جبهة واسعة والبعض مزج بين الاثنين،وأمّا الهدف المشترك فهو التموقع في الخماسي الأول وذلك بغض النظر عن نسبة التصويت..

• هنالك حديث حول إمكانية معاقبة القائمات الحزبية والتصويت لفائدة قائمات مستقلة..وهذا الكلام الذي يعاد بمناسبة كل انتخابات لم يصدق بعد إذ فازت الأحزاب وتبعثرت أصوات القائمات المستقلة..فهل سيتغير هذا الأمر في ماي القادم ؟ الأرجح عندنا أن تلعب القائمات المستقلة بعض الأدوار في الدوائر البلدية قليلة السكان أما في المدن الكبرى فيبدو أن الأحزاب هي المهيأة لهذا السباق أكثر من غيرها ..
هناك عدة سيناريوهات بصدد الطبخ استعدادا لما بعد الانتخابات البلدية أي للانتخابات العامة التشريعية والرئاسية في أواخر السنة القادمة ولكن من يريد الفوز في 2019 عليه بتحقيق نتائج إيجابية في ماي 2018 بداية وإلا ستقبر طموحات عدة في المهد..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115