في أبعاد الفعل التواصلي السياسي

ما الذي استفزّ قسما من التونسيين المهتمين بسلوك أردوغان والمتابعين لكلّ جزئية تخصّ زيارته الأخيرة؟

قطعا لا يهتمّ هؤلاء بتاريخ العلاقات التونسية التركية، والمسار الذي قطعته في السنوات الأخيرة، ولا يعنيهم حجم المعاملات، ولا طبيعة الاتفاقيات الدولية المبرمة بين البلدين، ولا فحوى الحوار الذي دار بين الرئيسين، ولا يسير النقاش السياسي في اتجاه أبعاد هذه الزيارة ودلالاتها في السياق الحالي وسياسة تونس الدولية... وإنّما تختزل الزيارة في شعار «رابعة» الذي تمسّك به «أردوغان»، وهكذا تذهب تأويلات «هواة التحليل السياسي الفوري» في اتجاهات مختلفة منها ما له علاقة بالسيادة الوطنية ، ومنها ما له صلة بهيبة الدولة، ومنها ما له وشائج برئيس الجمهورية الأب الراعي الذي ينبغي أن يتماهى مع «بورقيبة» ويكون حامي كرامة النساء، والرجال...

ولكنّ المتأمّل في خصوصية الخطاب السياسي لابدّ أن يقرّ بأنّه لا يخلو من مضمون أيديولوجيّ، وأنّ السياسي المتمرّس لا يفوّت ّ الفرص المتاحة والإمكانيات التي بحوزته ليرسل رسالة إلى الجماهير. فما الغرابة في أن يعبّر «أردوغان» عن الحمولة الأيديولوجية التي يتمسّك بها من خلال شعار يكتنز كلّ ما يريد التعبير عنه ؟ وما العجب في أن يتمسّك’أردوغان’ بدور الفاعل في مجال الدعاية الحزبية إن كان ذلك في الداخل أو الخارج؟ إنّ الدارس لسيرة الرجل، والمتابع لأدائه السياسي في السنوات الأخيرة لاسيما بعد «الانقلاب» يتوّقع أن يصدر منه هذا السلوك وأكثر .

وعندما تكون لغة التواصل المتلفظ بها (التركية)عائقا يتحول التعبير من خلال الشعار إلى أفضل فعل تواصلي يؤدي الرسالة بسرعة قياسية ويترك أثرا في النفوس لاسيما وأنّ «الشعب الفايسبوكي» يقتات من هذه الأخبار التي صارت «تؤثث» حياته اليومية لم لا والحياة السياسية تعاني من سلبيات متعددة لعل أهمّها بؤس الخطاب السياسي وغياب النقاشات المعمّقة.
لا نخال أنّ «أردوغان» كان يجهل التحرك الاحتجاجي الذي سيصدر عن بعض الفاعلين في المجال الإعلامي ، والسياسي وغيرها من المجالات، والتي تندرج في إطار الممارسة النضالية وحركات المناصرة والدفاع والتضامن مع الذين يقبعون في السجون التركية بسبب السياسات الاستبدادية ولذلك كان ردّ «أردوغان» من خلال فعل احتجاجي يمرّ عبر شعار

رابعة الذي برز كحركة نضالية. وهنا يقابل الاستفزاز بالاستفزاز ويتحوّل الخطاب السياسي إلى خطاب سجالي يوجّه إلى الفئة التي لم ترحبّ به. وبدل أن تكون التغطية الإعلامية مركّزة على تحليل سياسات «أردوغان»، ونتائج العلاقات الثنائية التونسية التركية على مسار سياسي تونسي يروم تأسيس ديمقراطية في قطيعة مع الأنموذج التركي الذي كثيرا ما أشادت به ‘الترويكا’ أضحى حديث أغلب وسائل الإعلام التونسية عن «الشعار». ولعلّنا لا نبالغ إن اعتبرنا أنّ هدف «أردوغان» قد تحقّق فصار خوض الرأي العام التونسي في الأيديولوجيا ، والإمكانات التأويلية لشعار رابعة حاجبا لسياساته التي تتعارض مع المسار الديمقراطي وتؤكّد عدول تركيا عن المسار الذي حاول سابقوه إرساءه.

ونقدّر أنّ وقع «الرسالة البصرية الأردوغانية» في نفوس التونسيين كان شديدا أو اريد له أن يكون على هذا النحو، لاسيما بعد الأزمة الإماراتية التونسية، وبعد أن استعصى على أغلبهم التبحّر في فهم طبيعة تموقع تركيا الأخير إقليميا ودوليا، والتكهّن بما ستؤول إليه العلاقات التركية المغاربية والعربية في القادم من الأيام. وحين تغيب المعرفة والتخصّص ....تجد الشعبوية والهذيان والانفعالات طريقها إلى المشهد السياسي الإعلامي.

شعار رابعة ليس علامة اعتباطية... والإصرار على رفعه في زيارة رسمية لها طقوسها الديبلوماسية لم يكن تلقائيا... وتمثّل التونسيين لهذا الشعار يأتي في سياق يشعر فيه هؤلاء بالإهانة ... ولكن الأهمّ من كلّ ذلك أن يفهم هؤلاء أن الردّ لن يكون برفع «الخُمسة» بل أن يعقلوا ما تخفيه زيارة ‘أردوغان’ من عميق الدلالات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115