في تحديات الانتخابات البلدية

إلى حدود صبيحة يوم أول أمس مازال العديد من التونسيين ومن الفاعلين السياسيين يشكون في إمكانية إجراء الانتخابات البلدية لا فقط لان هذا الموعد قد تأجل مرتين

(17 ديسمبر 2017 ثم 25 مارس 2018 فـ6 ماي 2018) ولكن لأنّ جلّ الأطراف السياسية لم تبد حماسة فائضة لها ولأن «تسريبات» عديدة وتصريحات علنية أيضا حصلت هذه الأسابيع الأخيرة وكلها «أجمعت» على خطر اللامركزية ، بما يفهم منه تأجيل إلى اجل غير مسمى لهذا المسار بأكمله.. ولكن صدور الأمر الرئاسي بدعوة الناخبين وكذلك الروزنامة المحيّنة للانتخابات بالرائد الرسمي كل هذا أغلق نهائيا هذا السجال وأضحت اليوم تفصلنا أربعة أشهر ونصف على أول انتخابات بلدية ديمقراطية في ظل تصور لا مركزي في تاريخ الدولة التونسية..
سوف نكتشف جميعا أن هذه الفترة قصيرة للغاية لكي تكون البلاد على أتم الاستعداد لهذا الموعد المفصلي في تاريخها وأن هناك تحديات كثيرة تهم جميع الأطراف..

• لعل التحدي الأعسر هو ذلك الملقى على عاتق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خاصة وأنها خرجت لتوها من أزمة خارجية وداخلية كادت تعصف بها وبمصداقيتها.
لقد اجتازت الهيئة بنجاح اختبار الانتخابات الجزئية في ألمانيا وأكدت، من جديد ، مصداقية ونزاهة هذه المؤسسة الأساسية في الديمقراطية التونسية الناشئة، ويبقى لها أن تثبت جاهزيتها القصوى لتؤطر انتخابات تجرى في 350 دائرة في نفس اليوم..

• الامتحان الثاني الكبير هو لمجلس نواب الشعب بدءا بقدرته على المصادقة على مشروع قانون الجماعات المحلية قبل موعد الانتخابات وثانية في المزج العقلاني بين التوجه اللامركزي الضروري لهذا القانون حتى يتطابق مع مقتضيات الدستور ومراعاة المرحلية والتدرج في التطبيق حتى لا يتفاقم البون بين البلديات الغنية والفقيرة وان نقر بصفة جدية مبدأ التضامن الوطني والتمييز الايجابي الوارد ايضا في الدستور..

• التحدي الثالث هو للسلط العمومية بدءا بالأمن الذي عليه أن يحمي عشرات الآلاف من التجمعات والقائمات الحزبية المستقلة المترشحة ثم الجهات الرقابية من محكمة إدارية ودائرة محاسبات حتى لا يلوث المال الفاسد وغير القانوني هذه الانتخابات ضمانا لمنافسة شريفة بين كل القائمات وحتى يتم الزجر الفعلي لكل المخالفين ..

• التحدي الرابع هو لكل وسائل الإعلام حتى توفق في أمرين قد يبدوان متناقضين:
- تغطية منصفة لنشاط كل القائمات
- تأطير النقاش الوطني والمحلي بين مختلف المتنافسين..
قلنا بأن الأمرين قد يبدوان متناقضين لان التغطية المنصفة على نمط إعطاء ثلاث دقائق لكل قائمة مثلا هي تغطية تقتل النقاش الوطني وتجعل من الحملة الانتخابية رتيبة ومقلقة إلى أقصى حد ،ولكن تنظيم الحوار الإعلامي بين مختلف المتنافسين قد يكون كذلك غير منصف خاصة للقائمات المستقلة أو لما اصطلح عليه بالأحزاب الصغيرة ،ولذا فعلى المهنة في مجملها بذل جهد مضاعف لكي توفق بين التغطية المنصفة والتأطير الجدي للحوار الوطني بين مختلف المترشحين..

• التحدي الخامس هو لكل النشطاء في المجتمع المدني فهم الذين سيضطلعون ،مع غيرهم بمهمة تحسيس المواطنين غير المسجلين وخاصة من الشباب لكي يتمكن من القيام بواجبه الوطني..
يوجد اليوم حوالي ثلث التونسيين في سن الاقتراع خارج سجلات هيئة الانتخابات قد لا نفلح في تسجيلهم كلّهم خلال هذه الأسابيع الثلاثة التي بدأت من يوم أول أمس،ولكن كل مسجل جديد هو كسب للبلاد وللديمقراطية..لقد قامت جمعيات المجتمع المدني بعمل كبير في المحطات السابقة والآن قد يكون دورها أصعب لأن المطلوب هو الوصول لفئات قد لا تعنيها العملية السياسية من أصلها،وهذا يتطلب بيداغوجيا وجهدا لإقناع هذه التونسيات وهؤلاء التونسيين..

• التحدي الأخير والذي سيكون هو الأبرز في الصورة هو التحدي الملقى على الأحزاب السياسية وعلى القائمات المستقلة لكي تسهم بصفة كبيرة في احياء هذا الموعد الديمقراطي الاساسي بالأفكار والبرامج والمقترحات العملية ولكي تهيئ مرشحيها لحسن الاستعداد للإسهام في إدارة الشأن المحلي حتى نتجنب الخيبات السياسية السابقة.

• ويبقى التحدي الجامع لكل الأطراف المتداخلة ولو عن بعد في العملية الانتخابية هو تحسيس المواطنين بما ستغيره السلطة البلدية في حياتهم اليوم وما هو سقف التطلعات المعقولة اليوم وأين نحن ذاهبون وما هي حدود مسؤولية المجالس البلدية المنتخبة وكيف تتم المرافقة والمتابعة والمحاسبة وكيف نجعل من الفضاء البلدي فضاء تشاركيا يزاوج بين

الديمقراطية التمثيلية وأحيانا الديمقراطية المباشرة..فالمهم ليس فقط اسم الحزب أو الأحزاب الفائزة المهم هو بداية التأسيس الفعلي لسلطة محلية تكون عنصرا أساسيا في التنمية وتساعد المركز في ابتكار حلول جديدة في تناغم مفيد للبلاد قاطبة .فنحن في بداية طريق قد يقدم الكثير للبلاد شريطة ان يجد طبقة جديدة من المسيرين المحليين الذين يريدون من وصولهم للمسؤولية خدمة الناس لا أن يخدمهم الناس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115