بعد الهزيمة النكراء لمرشحهما في الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا: الصندوق يزلزل التحالف الندائي النهضوي

لم يكن يراهن الكثيرون على هزيمة المرشح الندائي المدعوم من حركة النهضة في الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ألمانيا..

ويبدو أن التحالف الحاكم قد دخل هذه المعركة وهو متأكد من ربحها قبل خوضها بالاعتماد على حصوله مشتركا على أكثر من ثلاثة أرباع أصوات الناخبين في تشريعية 2014،والسؤال كان فقط حول قدرة النداء والنهضة على المحافظة على نفس النسب أم لا .. فجاء الصندوق مسفها لهذه الأحلام الوردية إذ ورغم الضعف المذهل لنسبة المشاركة (%5 من المسجلين) لم يتمكن هذا الثنائي من الحصول حتى على %5 من مجموع أصواتهما في 2014 واكتفى بحصد 253 صوتا بنسبة %19.45 من الأصوات..

وازداد الزلزال حدة عندما فاز بهذا المقعد اليتيم المرشح المستقل ياسين العياري والمدعوم من قبل حراك تونس الإرادة..

لاشك انه لا ينبغي استخلاص دروس نهائية من هذه الانتخابات فنحن أمام انتخابات جزئية خارج حدود الوطن وفي ظرف لا مبالاة يكاد يكون عاما ولكن رغم ذلك لا يمكن ألا نرى في الهزيمة الندائية النهضوية لحظة هامة وقد تكون فارقة في الحياة السياسية التونسية..

• في البدء لابد من التنويه بأن في هذه النتيجة ما يطمئن فلقد انهزم التحالف الحاكم وفاز مرشح مستقل مدعوم من حراك تونس الإرادة دون أن يثير هذا أي إشكال وتمت العملية الانتخابية دون اخلالات تذكر ونجحت هيئة الانتخابات، رغم الشكوك والتشكيك،في الحفاظ على نزاهة الصندوق واستقلالية القرار وشفافية التعامل مع كل المرشحين وهذا يؤكد مرة أخرى بأننا قد قطعنا مع مرحلة كاملة من التدليس والتزوير وخيانة صوت الناخبين ..

• العزوف المخيف الذي شاهدناه في هذه الانتخابات : %5 من المسجلين واقل من %2 من الناخبين المفترضين ينبغي أن يدق ناقوس الخطر للجميع.. صحيح أننا أمام انتخابات جزئية جرت في ظروف استثنائية (4 مراكز اقتراع فقط) ولكن هذه النسبة تؤشر بوضوح على أن ديمقراطيتنا الناشئة بصدد مشاهدة موجة من العزوف المتنامية..وما نخشاه أن تصيب هذه العدوى الانتخابات البلدية المقبلة..فالعزوف عندما يتجاوز حدا معينا يصبح الخطر الأول على كل حياة ديمقراطية لانه يضعف كثيرا من شرعية ممثلي الشعب..فياسين العياري الفائز في الانتخابات الجزئية في ألمانيا قد حصل على %1 من أصوات المرسمين واقل من %0.5 من أصوات الناخبين المفترضين ،ورغم انه لا وجود لأي طعن في شرعية فوزه ولكن هذه النسب الضعيفة للغاية تلقي بظلالها على كل العملية الديمقراطية..

• لقد اتضح بالكاشف أنّ التوافق «الندائي النهضوي لا يوجد الا عند القيادات المركزية وأن القيادات الوسطى والجهوية والمحلية لا تعير له اي وزن وان القواعد الانتخابية للحزبين لا تلتزم به مطلقا وذلك لسبب بسيط لأنها تنتمي إلى سوسيولوجيا انتخابية مختلفة تماما..
فالناخب النهضوي القاعدي لا ولن يصوت لمرشح ندائي ولو جاءته تعليمات من قيادته المركزية والعكس بالعكس.. وقد لمسنا هذا على مستوى وطني في الانتخابات الرئاسية في 2014 وفي هذه الانتخابات الجزئية أيضا وهذا يعني أن كل إستراتيجية توافقية انتخابية مستقبلية سيكون أيضا مآلها الفشل.. وهذا يصيب في مقتل بعض السيناريوهات الفلكلورية القائمة على «التوريث الديمقراطي» أي أن القواعد الانتخابية النهضوية لن تصوت لمرشح نداء تونس في الرئاسيات لا في سنة 2019 ولا 2024 ولا 2029.. وسواء كان هذا المرشح الباجي قائد السبسي نفسه أو نجله، المدير التنفيذي الحالي لنداء تونس.

• ونتيجة ما سبق هو أن الحزبين مضطران لتنافس فعلي بينهما في المواعيد الانتخابية إن لم يريدا إضافة هزائم جديدة إلى هذه الهزيمة وهذا سيجعل من التوافق بينهما مسالة جدّ معقدة إذ لا يمكن فهم منافسة حادة في الانتخابات وحكم توافقي بعدها،ونعتقد أن هذه المسالة ستطرح على قيادة الحزبين بكل قوة هذه الأيام والاسابيع القادمة

• لقد أثبتت الهزيمة النكراء للنداء في ألمانيا ضعف الجهاز التعبوي للحزب الأول وحقيقة نفور جزء هام من قاعدته الانتخابية عنه.. صحيح أن كل عمليات سبر الآراء تعطي ، إلى حد الآن ،النداء في المرتبة الأولى ولكن الفرق شاسع بين نوايا التصويت وبين حقيقة الصندوق كما أن جزءا من ناخبي النداء قد يعبر عن نيته للتصويت لحزبه ،دون أن تصحب هذه النية قناعة قوية بضرورة الانتقال يوم الانتخاب إلى مكاتب الاقتراع .

• قلنا في مناسبات عدة أن قوة النداء لا تكمن في قيادته الحالية الملتفة حول المدير التنفيذي بل في كونه حزب السلطة وحزب الرئيس وان هذه الوضعية تدفع العديد من الوجاهات الجهوية والمحلية إلى الانخراط انتخابيا في هذا الحزب ولكن جاءت هزيمة ألمانيا لتبين بان انتصار النداء اليوم وغدا ليس مسالة أكيدة وهذا ما قد يدفع بعدة وجاهات محلية وجهوية إلى إعادة التفكير في مساندتها لهذا الحزب وقد نرى تحولات هامة نسبيا بعد أسابيع قليلة بمناسبة تكوين القائمات الانتخابية البلدية

• رغم العزوف الكبير حققت بعض الأحزاب نسبا يمكن البناء عليها ونقصد تحديدا التيار الديمقراطي (%10.38) ومشروع تونس (%10.15) ولسنا ندري هل سيقدر هذان الحزبان على تكرار هذه النسب على مستوى وطني ولكن هنالك نافذة مفتوحة اليوم امامهما قد يتمكنان من استثمارها في الانتخابات البلدية القادمة..

• فوز ياسين العياري رغم رمزيته ينبغي أن يفهم كفوز للمعادين للمنظومة الرسمية (anti système) المتمثلة في الائتلاف الحاكم وما يمثله فكريا وسياسيا واقتصاديا .. هذا الصوت القوي في عدة جهات وفئات اجتماعية لم يجد التعبيرة عنه إلا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 ولكن فوز ياسين العياري قد يعطيه قوة معنوية للدخول في المناسبات الانتخابية القادمة سعيا للربح لا فقط للمشاركة..

ولا يخفى على احد أن الترجمة الانتخابية للأصوات المعادية للمنظومة تعني طردا أزمة المنظومة ذاتها وعدم قدرتها على الإدماج..

 

هذه بعض الخلاصات الأولية والنوعية لهزيمة التحالف الحاكم في الانتخابات الجزئية بألمانيا ..
خلاصات تنتظر الامتحان الأكبر الذي قد يعيد خلط الأوراق من جديد : الانتخابات البلدية وما أدراك ما الانتخابات البلدية..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115