نهاية سنة ساخنة

تشارف سنة 2017 على الرحيل .. ولكنها كجلّ السنوات التي سبقتها قد تترك «الأفضل» إلى النهاية ..

المناقشة في الجلسة العامة لقانون مالية 2018 أسالت الكثير من الحبر وانتخابات تشريعية جزئية في ألمانيا بعد أسبوعين فقط وتحالف حكومة تتقاذفه أمواج عاتية واستعداد لانتخابات بلدية صعبة على الجميع بدءا بهيئة الانتخابات وصولا إلى الأحزاب والقوائم المستقلة التي تريد خوض غمار تجربة الانتخابات المحلية..وحكومة تدل كل المؤشرات على أن أسابيعها معدودة وتحول كل العقول والأنفس والأعناق إلى ...خريف 2019 حيث الانتخابات العامة وإعادة خلط الأوراق السياسية من جديد..

في الأثناء قد ننهي هذه السنة بنسبة نمو للاقتصاد الوطني تتجاوز %2 (%2.1 على الأرجح) بعد سنتين عسيرتين كنا فيهما في حدود %1 فقط ،ولكن هذه الانتعاشة النسبية لنسق النمو تأتي في مناخ ازدادت فيه حالة المالية العمومية تعكرا وشارفت فيه مديونية الدولة الحاجز الرمزي لـ%70 وبقيت فيه نسب البطالة مرتفعة (%15.3) وخاصة عند أصحاب الشهادات العليا (أكثر من %30)..

لاشك ان للاقتصاد وللسياسة أزمنة ودورات مختلفة ولكن القرارات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تأخذها الحكومة من شانها دوما أن تنعكس سلبا أو ايجابا على نسق نشاط الآلة الإنتاجية للبلاد ،فالدولة هي المستثمر الأساسي وهي كذلك مموّل أساسي للقطاع الخاص عبر الصفقات العمومية..والاقتصاد في كل بلاد الدنيا دورات بعضها صاعد وبعضها نازل والدولة الناجحة هي التي توفر كل الإمكانيات للدورات الايجابية بإقدامها على الإصلاحات الضرورية في الإبان وباستباقها للتحولات التكنولوجية وما يتبعها من تحولات الأسواق العالمية ، وهذا يستدعي أغلبية لها برامج إصلاحية عرضتها على الناخبين وفازت على أساسها وسخرت كلّ طاقاتها لانجازها خلال عهدة انتخابية على الأقل..
وهذا ما لم يحصل بعد في تونس ولهذا مازلنا نقول بأننا في مرحلة انتقالية رغم اعتقادنا بأنّنا قد انتهينا منها في الانتخابات العامة في خريف 2014..

ونحن ننهي هذه السنة لابدّ من الوقوف عند إتفاق الحكومة مع المركزية النقابية حول أهم الملفات الاجتماعية ونخص بالذكر إصلاح الصناديق الاجتماعية ومنظومة التقاعد بالترفيع الإجباري بسنتين في السن القانونية للخروج الى التقاعد وبالترفيع أيضا في مساهمات الأعراف بـ%2 والأجراء بـ%1 وسن ضريبة جديدة سميت بالمساهمة الاجتماعية التضامنية بـ%1 على الأشخاص الطبيعيين وعلى المؤسسات (اتحاد الصناعة والتجارة معترض على هذا الجانب الأخير) ولكن هذا الاتفاق العام لم يمنع صعود مطلبية في بعض القطاعات ضده.وخاصة في التعليم الثانوي وسوف نرى كيف ستتصرف المركزية النقابية مع بعض الأصوات النشاز داخلها..وسوف نرى أيضا هل ستضحي الحكومة بحزمة الإصلاحات التي وعدت بها مقابل تمتين عرى الاتفاق مع اتحاد الشغل أم لا ..

بعد أسبوعين ستحيي تونس الذكرى السابعة لأحداث الثورة التي انطلقت من سيدي بوزيد ذات 17 ديسمبر 2010 حين أقدم الشاب محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده النحيل انتصارا لكرامته ..وبعد 7 سنوات حققنا فيها مقادير من الحرية ومن الكرامة أيضا ولكن لم نحقق بعد الكرامة لجلّ مواطنينا حتى دبّ الشك في نفوس البعض وبدأوا يلعنون الثورة ومن دفع إليها ومن استفاد منها وتعالت من هنا وهناك الأصوات التي تحنّ إلى عودة العصا الغليظة بمسمياتها المختلفة ظنّا منهم بان الضرب بقوة هو وحده الذي يجلب الأمن والاستقرار وبالتالي الحدّ الأدنى من الرفاهية ،وغاب عنهم ان الاستبداد ،مهما كان صنفه، ينتج الفساد ويهدد في جوهره الأمن والاستقرار حتى وإن ظهرت في البدايات بعض الملامح الايجابية في هذا المجال ..

السؤال المحوري الذي يشغل بال التونسيين اليوم هو كيف ننتقل من المؤقت المضطرب إلى الدائم الذي يبني المستقبل ؟
ولهذا شروط عدة ليس من أدناها وعي النخب بما تستوجبه هذه الفترة وبألاّ نضل في متاهات الطريق..

نهاية سنة ساخنة بما سيحصل فيها وبما سيخطط فيها للمستقبل القريب..

بعد أشهر قليلة سيدعى الناخبون للتعبير عن رأيهم لا فقط للحسم بين قائمات متنافسة ولكن أيضا للقول بأن الصندوق وحده سيكون الفيصل لكل خلافاتنا ..وان الورقة التي توضع في الصندوق ستكون حاسمة..
تونس تلعب حاضرها ومستقبلها في السنتين القادمتين ..فلو أحسنّا الاختيار سننتقل بصفة نهائية للبناء المنظم أما لو أطلنا في عمر المؤقت فلا نلومنّ إلاّ أنفسنا..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115