تونس: أزمة حكومة أم أزمة أحزاب حاكمة أم أزمة مؤسسات؟

من أسبوع إلى آخر يتضح للجميع – بمن فيهم أهل الحكم وأكبر مسانديه – بان شيئا ما لا يسير على الطريق القويم في تونس...

لكل حزب وجماعة وفئة في بلادنا تشخيص خاص لهذا الذي لا يسير جيدا في تونس وقد تلتقي هذه التشخيصات وقد تتناقض أحيانا ولكن هناك شبّه إجماع قد حصل اليوم بان نصف الكأس الفارغة قد انتصر بالضربة القاضية على نصفها الملآن على حد الصورة المحبذة لرئيس الحكومة.

ما الذي يجعل هذا الشعور في تعاظم مستمر في بلادنا؟ ببساطة هو إحساس الجميع - بما في ذلك من يباشر الحكم اليوم – بان هنالك نوع من الفراغ في القيادة السياسية وبأن سفينة تونس تسير أحيانا دون وجهة واضحة أو أن السَّفِنَ إمّا مكتف بما تمليه عليه الرياح أو حائر في التعامل معها والاستفادة من طاقتها...

ولو رمنا الدقة لقلنا بأن ما عجزت عنه إلى حد الآن القيادة السياسية الحالية هو القدرة على دفع البلاد نحو العمل والإنجاز وعلى إقناع جلّ فئات المجتمع بأننا نسير في الطريق الصحيح...

لا شك لدينا في وطنية وإخلاص جلّ من يتصدون لإدارة الشأن العام اليوم ولا شك لدينا كذلك في قدرتهم على توصيف مواطن الخلل في مختلف منظومات البلاد... ولكن الشك هو في مدى قدرتهم على ابتكار أجوبة جديدة أولا وتحويل هذه الأفكار إلى واقع ملموس ثانيا...

مشكلة المشاكل اليوم في تونس هي عطالة آلتنا الإنتاجية وغضب جلّ فئات المجتمع من المهمّشين والمعطلين عن العمل إلى أجراء القطاعين العام والخاص وصولا إلى أرباب العمل ومرورا بأصحاب المهن الحرة...
لا أحد اليوم راض على أداء الحكومة...

لنقلها بوضوح: الإشكال ليس في هذا الغضب فكم من حكومة واجهت معارضة اجتماعية شديدة ولكنها تمكنت من تغيير المعطيات وتحسينها...
الإشكال اليوم أننا لا نعلم أين تريد أن تذهب بنا منظومة الحكم اليوم ولا سيما اقتصاديا واجتماعيا؟ وما هي أولوياتها الاستراتيجية؟ وما هو الخطاب السياسي البيداغوجي المصاحب لكل هذا..؟!

ينبغي أن نعترف أنه بقدر ما نحن موحدون إلى حد مقبول في مقاومة الإرهاب وفي إرساء الديمقراطية والحريات العامة.. فإننا منقسمون ومتناقضون عندما يتعلق الأمر بالملفات الاقتصادية خاصة والاجتماعية تباعا...
فأزمة الحكم في جزء منها أزمة النخب التي أنفقت جل جهدها في القضايا العقائدية والسياسية وارتهنت أيضا المسائل الاقتصادية والاجتماعية لخلفياتها الإيديولوجية وذلك بغض النظر عن حقيقة وضعية آلتنا الإنتاجية وعلاقاتنا الاقتصادية الطبيعية وما هو ممكن في هذا العالم المعولم وما هو من قبيل أضغاث الأحلام...

والإشكال هنا أنه أمام هذا الانقسام الإيديولوجي الحاد في النخب تعمد الحكومة إلى مقاربة تقنوية في قيادة البلاد...

المقاربة التقنوية قد لا تكون مضرة في بلد اختياراته الاقتصادية والاجتماعية مستقرة.. ولكن ونحن نؤسس لكل شيء بما في ذلك ما نسميه جميعا بــــــ»منوال تنموي جديد» وهنا يكون غياب الجرأة والرؤية وتحديد مجال السير مضرا بالبلاد والعباد..
الأكيد أن حكومة الحبيب الصيد الثانية كما الأولى تسعى لفعل ما أمكنها فعله ولكنها لا تفعل سوى السعي لإخماد بعض الحرائق وللاستجابة الجزئية للمطالب الاجتماعية...

وينبغي الإقرار بأن الأغلبية الحاكمة لم تكن السند السياسي المطلوب والمرجو للحكومة... فصراعات الحزب الأول بلغت مستويات خيالية أضرت باستقرار البلاد ووضعت عدة نقاط استفهام على حاضرها ومستقبلها.. والأحزاب الثلاثة الأخرى منشغلة كل واحد منها بدكانه الداخلي وبمنسوب الفوائد والخسائر التي يمكن أن يجنيها من تجربة الحكم هذه...

حركة النهضة مسكونة بهاجس الانغراس الكلي في المشهد السياسي وتأمين كل انتكاسة لها فيها وهي تراهن بلا هوادة على مظلة الباجي قائد السبسي ونداء تونس وهي اليوم تخشى من تفتت هذه المظلة التي ستتركها، ثانية، في مواجهة مباشرة مع التونسيين...
حزب آفاق تونس يعيش ولا شك مرحلة مفصلية فإما إثبات الوجود على الميدان في الانتخابات القادمة أو معرفة مآل ما شهدته بعض الأحزاب الديمقراطية الأخرى خاصة وأن طريقته البراغماتية الجديدة في إدارته لحملته الانتخابية في 2014 لم تُثَمِّنُ عند انتقاله إلى الشراكة في السلطة خاصة وأن زعيمه ياسين إبراهيم وزير التنمية والتعاون الدولي يثير الكثير من الجدل.

أما الاتحاد الوطني الحر هذا «الاستثناء التونسي» حيث لا تعلم هل أنت أمام حزب سياسي أم مؤسسة خاصة أم طموح شخصي لا حدود له يريد منابه من السياسة والكرة والحكومة...
وطبيعي أن تحالفا كهذا لا يمكنه إلا أن يؤزم الوضع العام بالبلاد والمؤسسات التي يسيطر عليها كمجلس نواب الشعب أنموذجا.

كل هذا والبلاد تعيش مناخات غير جيدة على مستوى حصانتها السياسية وقدرتها الجدية على محاربة لوبيات الفساد المتنفذة يوما بعد آخر أمام ضعف المؤسسات الرقابية المستقلة أو العمومية...
البلاد تحتاج إلى قيادة ولا نقول إلى قائد إذ ولى هذا الزمن وانقضى غير مأسوف عليه... والقيادة هي أفكار واضحة وخطط نافذة وعقد مشترك مع الشعب يُمدد أو ينقطع بالانتخابات العامة...
هذا العقد بعد حوالي سنة ونصف السنة من الانتخابات العامة مازال في حالة مسودة...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115