حماية متبادلة..حكومة جديدة..حرب على الحرب على الفساد..التعمير في الحكم ما أمكن.. هذا ما تعدّه الترويكا الجديدة لتونس

عادة ما يريد التاريخ أن يعيد نفسه ولا يهمّ كثيرا إن كان ذلك في شكل مهزلة أو تراجيديا فلعّل الأمرين سيان في حيل التاريخ..

فبعد الترويكا الأولى غير المأسوف على رحيلها نحن بصدد الإعداد لترويكا ثانية لها من الأولى نفس العدد وبقاء أحد المكونات الرئيسية ،النهضة،ولكن السياقات والمصالح والاستراتيجيات تختلف بصفة هامة..

أهم الاختلافات بين الترويكا الأولى والثانية هي الرسم التكتيكي إذ انتقلنا من واحد زائد اثنين (النهضة ثم المؤتمر والتكتل) إلى اثنين زائد واحد( النداء والنهضة ثم الوطني الحرّ) ..ثم إن الترويكا الأولى قد تشكلت منذ بداية العهدة الانتخابية بينما تتشكل الترويكا الثانية ونحن في النصف الثاني من عهدة الأغلبية الحالية..
يمكن أن نقول إن تشكل هذه الترويكا الجديدة ورغم أننا لسنا أمام إعلان رسمي نهائي يعني بداية النهاية السياسية لما سمّي بـ«حكومة الوحدة الوطنية» والتي تشكلت على أساس اتفاق 9 أحزاب غادر احدها الوثيقة وهي حركة الشعب وغادر ثان الاتحاد الوطني الحرّ ،ومزق رئيسه الوثيقة قبل أن يعود إليها بـ«فضل» هذه الترويكا الجديدة.. كما غادر ثالث الحكومة -الجمهوري- دون أن يغادر وثيقة قرطاج.

المهم في كل هذا أن الترويكا الجديدة في أدنى حالاتها تكتل الأحزاب الأولى داخل حكومة «الوحدة الوطنية» أو ، وهذا الأرجح، تحالف حزبي لحكومة بديلة تتكون فقط من هذه الأضلع الثلاثة لا غير..
الحوار الذي أدلى به حافظ قائد السبسي ،المدير التنفيذي لنداء تونس لجريدة «الشروق» يؤكد هذا الاتجاه بصفة غير مباشرة إذ لا يمكن أن نفهم تهجمه على حزبي المسار وأفاق تونس (انظر مقال حسان العيادي ) إلا باعتباره دعوة لهما لمغادرة الحكومة وهذا ما سيغير حتما من طبيعتها فلن تعود حكومة «وحدة وطنية» بل حكومة ندائية نهضوية على الأقل في واقع الأمر..

ويقول المنطق السياسي – إن بقي في هذه البلاد ذرة منطق – يقول بأن هذا الخروج المنتظر للمسار وآفاق وسواء بقي وزراء الحزبين في الحكومة أو غادروها ،ستصحبه مطالبة من الحزبين الكبيرين بإقحام الوطني الحرّ في التشكيلة الحكومية لكي تتناسق مع التحالف السياسي الجديد الذي «يسندها» وسواء قبل صاحب القصبة بهذا التحول في الطبيعة السياسية لحكومته أو رفضه فنحن مقبلون على حكومة جديدة وقد يحصل ذلك في السداسي الأول لسنة 2018..
الوصف الأنسب لهذه الترويكا الجديدة أنها بمثابة «بيت أبي سفيان» أي من دخلها كان آمنا والبدء بالطبع مع سليم الرياحي رئيس الوطني الحرّ ..

تدّعي الترويكا الجديدة ،كغيرها من مكونات المشهد السياسي والمدني، بأنها تحارب الفساد ولكن الواضح والجلي أن مكوناتها الثلاثة قد اعتبرت وإن بدرجات متفاوتة بأن حملة حكومة الشاهد على الفساد تستهدفها معنويا وأحيانا شخصيا ولذا قيل في هذه الحملة أنها مخالفة للقانون وللأخلاق (تصريحات أفندينا على قناة نسمة).
إذن ينبغي إعلان حرب على هذه الحرب على الفساد يصبح بموجبها الفاسد المستوجب للمقاومة هو ذلك الذي لم يلتحق بعد ببيت أبي سفيان،أما من التحق به وأدى واجب الطاعة فهو بريء من الفساد ،براءة الذئب من دم يوسف ..

فالترويكا الجديدة إنما هي تحصين للذات أولا إذ نعلم جيّدا أن استهداف أشخاص في الحكم واتهامهم بالفساد مسألة عسيرة في كل الدول وخاصة في بلد مازال انتقاله الديمقراطي هشا ومازال تأثير اللويبات فيه قويا..
الحماية المتبادلة وحكومة جديدة هما شرطان متلازمان إذ لا حصانة خارج الحكم الفعلي واليوم ورغم امتلاك النهضة والنداء لجلّ رافعات الحكم إلا أنهما يعتبران – وخاصة النداء – أن خروج القصبة النسبي عن سيطرتهما من شأنه إحداث ثغرات في هذه الحصانة المرجوة..

والحماية هنا ليست فقط من المحاسبة الفردية الممكنة في إطار حملة مكافحة الفساد، بل الحماية الأساسية هي من «غوائل الدهر» أي من كل ما يمكن أن يحدث محليا أو إقليميا أو دوليا ويمس من أحد مكونات بيت أبي سفيان هذا..

فالواضح أن حركة النهضة مهما تبرأت من ماضيها الاخواني ومن العلاقات الإقليمية التي تربطها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وبمختلف أذرعته كاتحاد علماء المسلمين الذي يرأسه أبرز منظّر إخواني على قيد الحياة يوسف القرضاوي ،هذا الأخ الأكبر لحركة النهضة ..إذن مهما أرادت حركة النهضة التملص من تركة الإخوان إلا أنها ظلت تلاحقها وهذا ما يجعلها في أوكد الحاجة إلى مظلة داخلية تستظل بها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..وهذه المظلة تتمثل اليوم في الباجي قائد السبسي أساسا والنهضة تريد بكل قوة أن تلعب القيادة الندائية الملتفة حول نجل رئيس الجمهورية هذا الدور بصفة «مؤسساتية» أي بصفة دائمة،وفي المقابل فالنهضة مستعدة للذود عن حمى نداء تونس ما استطاعت وأن تساعده في الاستمرار في الحكم وأن تتصدى بقياداتها المركزية والمحلية لكل ما من شأنه تعكير مزاج النداء..وما دعم النهضة لمرشح النداء في الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا إلا عربون في هذا الاتجاه..

«تونس تحتاج إلى الاستقرار» هذا ما قاله حافظ قائد السبسي في حواره للشروق عندما سئل عن التوافق مع حركة النهضة وهذه الجملة تفيد بأن الابن حريص على مراكمة تجربة الأب في علاقة بحركة النهضة ولكن من موقع مختلف.. فالباجي قائد السبسي قد استعان بالنهضة بعدما وصل إلى الحكم وبعد أن تبين له أن أغلبيته النسبية لا تسمح لحزبه بتشكيل ائتلاف دون النهضة.. أما حافظ قائد السبسي فيريد الاستعانة بالنهضة للوصول إلى الحكم ، ونقصد هنا الانتصار الشخصي والحزبي في آن واحد حتى تعوض الشرعية الانتخابية الطموح الجيني وتنتقل من التوريث كحالة مستهجنة في الديمقراطية إلى الوراثة عبر صندوق الانتخاب ..
أما حركة النهضة فأقصى طموحها –على المدى المتوسط- فهو الانصهار كلية في المشهدين السياسي والاجتماعي والإحراز على مقبولية محليا وإقليميا ودوليا مازالت هشة وغير نهائية..

فالوفاق النهضوي الندائي هو فعلا تحالف استراتيجي وهدفه فهو التعمير في الحكم ،لأن الحكم وحده يمثل الحصانة الأكبر لهما ..

ولا يخفى على أحد أن حكومة الشاهد بتركيبتها الحالية لا تندرج تماما في مشروع الترويكا الجديدة وأن منطق الأرقام يفترض انتصار الترويكا الجديدة على حكومة الشاهد..
ولكن ما بين منطق الأرقام و القدرة على انجاز هذه الأحلام مسافة بعيدة ،مساحة يؤثثها الرأي العام والنخب والقوى الاجتماعية والمدنية الفاعلة..
لكل هذا نحن إزاء حرب متوسطة التوتر ،ولكن كل المؤشرات تقول بأننا إزاء تحولات جذرية في الأفق القريب ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115