هل تعيش حكومة «الوحدة الوطنية» لحظاتها الأخيرة ؟

مؤشرات عديدة تتراكم منذ الصائفة الفارطة وتفيد كلها بأن عمر حكومة «الوحدة الوطنية» بات محسوبا وأنها لن تستكمل مشوار بقية العهدة

الانتخابية (أي إلى أواخر سنة 2019) على الأقل في شكلها الحالي..

تتداخل عناصر عديدة في هذه النهاية شبه المعلنة منها ما يتعلق بالشخصي والحزبي والمسار السياسي أيضا..

وتلتقي كل هذه الأبعاد في سوء التفاهم الأصلي الذي كان وراء تعيين يوسف الشاهد في أوت من السنة الفارطة على رأس ما سمي حينذاك بـ«حكومة الوحدة الوطنية».

كانت هنالك وجهة نظر تقول بأن البلاد تراوح مكانها وأنها بصدد الموت البطئ وأنّه عليها أن تفيق من سباتها وأن تبدأ في الإنقاذ الفعلي اقتصاديا واجتماعيا وأن هذه العملية تحتاج توسيع الحزام السياسي والاجتماعي من جهة وتكليف رئيس حكومة شاب من جهة أخرى لا يخشى التجديد والمجازفة..

ولكن وراء هذه الواجهة السياسية والتي أقنعت قوى سياسية واجتماعية عديدة نظرا لوجاهة مرتكزاتها كانت هنالك خلفية لا تخفى على بعض العارفين بأسرار أجنحة الحكم والتي تقول بأن الحبيب الصيد رئيس الحكومة الأسبق، لم يعد «يسمع الكلام» وأنه استقوى بالنهضة على القصر وعلى نداء تونس وأنه ينبغي إزاحته وتعيين شخصية طيّعة لا طموح لها ولا تضع «العصا في العجلة» لرغبات قيادة نداء تونس الملتفة حول نجل الرئيس وأنها ستذعن في أهم ملف يعني هذه القيادة الحزبية: أي التعيينات في مختلف مفاصل الدولة ..

وبعد أسابيع قليلة انقشعت غيوم سوء التفاهم هذا فلا نحن في الحدّ الأول ولا في الحدّ الثاني كذلك فيوسف الشاهد ليس أداة طيّعة في يد المدير التنفيذي لنداء تونس حتى وإن كان يتحاشى مواجهته في جلّ الأحيان ويوحي بأنه يستجيب لرغباته في بعض التعيينات ولكن «البحيرة» ،مقر القيادة المركزية للنداء،لا تثق في الدائرة المقربة ليوسف الشاهد ،فلا أحد من هؤلاء هو من نداء تونس ولا أحد يدين بالولاء لحافظ قائد السبسي بما يوحي بأن هنالك شيئا ما بصدد الإعداد وأن يوسف الشاهد قد أصبح يفكر بصفة جدية في «الانتصاب للحساب الخاص» ومنذ أن قويت الشكوك لدى القيادة الندائية تم اتخاذ القرار التالي : لابدّ من استبعاد العناصر الأساسية في حزام يوسف الشاهد حتى لا تصبح رئاسة الحكومة «وكرا للتآمر على النداء» كما يعتقد ذلك جماعة البحيرة وذلك كخطوة أولى في اتجاه العزل الكلي لصاحب القصبة..

وكانت الحملة التي أعلنتها الحكومة على الفساد في شهر ماي الماضي نقطة اللاعودة إذ أثبتت بالنسبة للقيادة الجديدة للنداء بأن يوسف الشاهد أراد إلحاق شبهة الفساد بحزبهم عبر إيقاف صديق قيادات عديدة فيه وهو شفيق جراية وأنه يريد بذلك أن يرسم طريقا سيارة توصله مباشرة إلى كرسي قرطاج..

في شهر أوت خاض رئيس حركة النهضة ببدلة إفرنجية مفاجئة معركة بالوكالة للإطاحة بحكومة يوسف الشاهد ولكن الاعتراض عليه جاءه بداية من رئيس الجمهورية ثم من قبل أهم الموقعين على اتفاقية قرطاج وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل..

ونفس هذه القوى تريد الاستفادة من الامتعاض العام الذي أثارته بعض فصول مشروع قانون المالية لسنة 2018 لإضعاف الحكومة حتى لا تدخل سنة 2018،إن دخلتها ،إلا وهي منهكة القوى وبعد أن تكون تنازلت في نقاط مهمة من مشروعها الأصلي ..

الواضح أن كل العقول ،سلطة ومعارضة،بدأت معدّلة على موعد واحد أوحد : الانتخابات التشريعية والرئاسية في نهاية سنة 2019..

«الأدمغة المفكرة» داخل القيادات الندائية ترى أن حكومة «الوحدة الوطنية» بشاكلتها الحالية لا يمكن أن تنخرط في إستراتيجية النداء لسنة 2019 وأن بقاءها هكذا إلى بدايات تلك السنة الموعودة قد يكون خطرا على الحزب الفائز في انتخابات 2014 إذ هنالك تخوف

كبير عند المدير التنفيذي للنداء وللملتحقين الجدد به من ترشح الشاهد خارج الأطر الندائية وهو معنى إلحاح الحليف النهضوي على ضرورة الا تفكر الحكومة ورئيسها في هذا الموعد بتاتا..
ولا يخفى اليوم على احد بأن الدوائر الندائية العليا تستعد منذ حوالي السنة لتمرير فكرة ضرورة عهدة ثانية للرئيس الباجي قائد السبسي باعتبارها الحلّ الوحيد لا لحلّ أزمات البلاد أو لاستقرارها – كما يتصورون- بل وأساسا لتوفير خمس سنوات إضافية لمنظومة الحكم الندائية التي لم تستقر بعد وأنها لن تحمى ولن تترعرع إلا في ظلّ ولاية رئاسية ثانية لصاحب قرطاج..

ولا أحد يعلم اليوم ما هي النوايا الحقيقية لرئيس الجمهورية والذي كلما يسأل عن الموضوع يقول بأن الله في الوجود وانه ينبغي الانكباب على مشاكل تونس في 2017 قبل التفكير في 2019 ..

ولكن هذا السيناريو يهيمن ولاشك على أذهان القيادات الندائية والتي لا ترى نفسها مؤهلة - إلى حد الآن – للمجازفة بشخصية أخرى لخوض هذا الاستحقاق الانتخابي المحوري بعد سنتين فقط من الآن وهي لا تريد أن تجد نفسها في وضعية يفرض فيها مرشح للرئاسة من خارج دوائرها ولهذا لا ينبغي أن يواصل يوسف الشاهد العمل كما يريد الى بدايات سنة 2019 والمشروع هو أن يُفرض عليه تحويلا هاما في جوهر فكرة «الوحدة الوطنية» من تحالف حزبي واسع مسنود بحزام اجتماعي إلى ترويكا ثانية ندائية نهضوية تحررية تقتضي إقصاء أحزاب» مناوئة» بدءا بآفاق ثم المسار بدءا بتوفير أماكن شاغرة للوافدين الجدد على وثيقة قرطاج بعد تمزيقها كل ذلك لفرض معادلة سياسية جديدة على يوسف الشاهد فإما أن يقبل بعودة الوطني الحرّ وبمغادرة الأحزاب «المناوئة» او يغادر هو..

هذه المعركة قد بدأت الآن وهي ستستعر في الأيام والأسابيع القادمة وهي ستتزامن مع معركة قانون المالية وستتجاوزها كذلك..

أشهر من المدّ والجزر قد تنتهي مع نهاية صلاحية الشاهد ذاته بعيد الانتخابات البلدية في ربيع السنة القادمة..

معركة ظاهرها لعبة شطرنج تحت شعار «دزّ البيدق» وحقيقتها «لعبة حوم» كل الضربات فيها مباحة فوق السنتورة وخاصة تحتها ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115