الداعيات التونسيات..أومشروع التغيير من «تحت»

يعرف جمهور الفضائيات الدينية منذ سنوات، عمرو خالد وخالد الجندي ووجدي غنيم ومبروك عطية وغيرهم من الدعاة الإسلاميين: القدم والجدد، المتشددون

و«المعتدلون»، وتعترف بعض النسوة بإعجابهن بـ«أيقونات الدعوة» كسعاد صالح وأمينة نصير وعبلة الكحلاوي وأخريات تركن الفن والهندسة والطب وانكببن على تحصيل الإجازة في الدعوة. ولئن اعتبرت مصر مركز «صناعة نجوم الشاشة الدينية» فإنّ المشهد الإعلامي الديني قد عرف أسماء لا تعدّ ولا تحصى من العاملين والعاملات في قطاع الدعوة من السعودية والعراق والبحرين و... حتى أضحى من الصعب التمييز بين من يمارس الدعوة كسبا للثواب ومن يمتهن الدعوة باعتبارها تدخل في «البزنس الديني».

لقد كان حضور المغاربيات محتشما بالرغم من حرص بعض التيارات الإسلامية على دعمهن. ولم يختلف الأمر بالنسبة إلى الداعيات الإسلاميات التونسيات اللواتي كنّ يشتغلن في السرّ زمن «الاستبداد والتصحّر الديني» ويجبن الأردن ومصر وغيرها من البلدان بحثا عن مهارة تكتسبها الداعيات ولكن ما إن حدثت الثورة حتى صرن يتمتعن بحركيّة وفرتها سياسة الانفتاح على «الدعوي» ومناخ الحريات وحالة الانفلات. ولعلّ ما يلفت الانتباه في العمل الدعوي النسائي انتشاره في المنازل الفخمة وفي الأحياء «الراقية» كالمنازه والمنار وغيرها فضلا عن تنقله من مدينة إلى أخرى. وتعتبر صفاقس حسب عدد من ‘المريدات’ معقل التمركز.

يطرح دخول فئة الداعيات الإسلاميات معترك الدعوة عدة اشكاليات منها:
- ما يتصل بهويّة الداعيات إذ تبقى هذه الفئة لدى عموم التونسيين مجهولة فيما يتصل بالشهادات العلمية المتحصل عليها وتراخيص العمل ضمن هذا القطاع ، والتنسيق مع الجمعيات الحاضنة وطبيعة الخطاب وأهداف العمل الدعوي.
- ما له وشائج باحتياجات هووية برزت بتأثير من «إسلام البترول» إذ يرتبط هذا النشاط الدعوي النسائي بطبقة محددة ويحاكي جيانولوجيا نشأة العمل الدعوي في مصر في صلته بعودة المهاجرين من بلدان الخليج والسمة النيوليبرالية التي تميزه.
- ما يتعلّق بالشفافية باعتبارها مبدأ يحكم المسار الديمقراطي. فهذه الأنشطة التي تزعم أنّها منصهرة في العمل الجمعياتي تحافظ ، رغم هذا الادعاء على الطابع السريّ. فلا يعرف تنقلات الداعيات، ومواعيد المحاضرات والدروس إلاّ خاصة الخاصة، وهو أمر يحوّل الأنشطة إلى عمل مغلق غير مفتوح للعموم بل هو حقّ للمؤمنين بأهميّة العمل الدعوي من التونسيات المنتميات في الغالب، إلى الطبقة الميسورة وجزء من الطبقة الوسطى. وليس يخفى أنّ هذا الشكل يذكرنا بطريقة عمل التنظيم الديني السرّي.
- ما له وشائج بمرتكزات المواطنة. فالمواطن «المسؤول» هو الذي يمارس واجباته ويتمتع بحقوقه في كنف احترام القانون، وبكل شفافية فيخرج من ممارسات محكومة بثنائية الظاهر/ الباطن ليتصرف بكل أريحية مادام لا يخشى المرئية ومن ثمّة الرقابة والعقاب.
- ما له علاقة بجدوى انتشار الداعيات الإسلاميات في تونس وفي السياق الحالي بالذات. ففي الوقت الذي انتقد فيه أداء الداعيات، وآخرهن سعاد صالح بعد أن أشارت إلى جواز مجامعة الحيوان، وسحب الأزهر إجازات عدد من الدعاة وتداول أرقام «أسعار الدعاة»، والاستقطاب الحدي بين دعاة السنة ودعاة الشيعة، وبين دعاة السلفية ودعاة الإخوان من جهة، والدعاة الرسميين، من جهة أخرى نتساءل عن أهميّة انطلاق العمل الدعوي النسائي بلا ضوابط معلنة ولا مقاصد محددة للعموم، وهو تساؤل مشروع بعد ما عايناه بعد الثورة من انفجار في العمل الدعوي الذكوري.
ولعل السؤال المشروع في هذا الإطار: إلى أي مدى يتم الفصل بين الدعوي والسياسي، والأدلجة والروحنة؟ أن تمارس فئة من النساء العمل الدعوي في إطار «التمكين» شيء وأن يخرجن من الرقابة الذكورية لرجال الدين شيء... ولكن ألا يعد هذا النشاط تكريسا لعبودية جديدة تقوض الحاجة إلى ترسيخ الفكر النقدي؟ ثم ألا يعد هذا النشاط منصهرا مع مشروع التغيير من «تحت» بعد أن استعصى التغيير من «فوق».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115