Print this page

الإرهاب ... التطرف... الفساد...إيران... اليمن...حزب الله... سوريا... في حروب المملكة السعودية

تتسارع الأحداث في المملكة العربية السعودية بشكل مفاجئ لم يكن يتوقعه جلّ المتابعين لما يجري داخل المملكة الوهابية..

فمنذ أن تمّت البيعة لمحمد نجل الملك سلمان بن عبد العزيز بولاية العهد يوم 21 جوان 2017 بعد إعفاء محمد بن نايف من هذا المنصب والرجل القوي في المملكة الشاب محمد بن سلمان ابن الاثنين وثلاثين عاما،يريد إحداث تغيير جذري في صورة حكم قد تهرأت كثيرا في الداخل والخارج وأن يروج لحكم عصري يقطع مع التطرف المتهمة به الدولة الوهابية وينفتح على المرأة والشباب، يعصّر التدين ويعصّر المجتمع كذلك عبر أحلام عظمة فرعونية كبناء مدينة جديدة بكلفة خيالية (100 مليار دولار ) ويعد بلاده وهي أول مصدر للبترول في العالم إلى عصر ما بعد الذهب الأسود..
ولمزيد تسويق هذه الصورة الوردية يتم إلقاء القبض على العشرات من الشخصيات النافذة جدا في مجالات المال والأعمال والسياسة من بينهم 11 أميرا و4 وزراء حاليين وعشرات الوزراء القدامى بتهمة الفساد..
وهكذا تكتمل الصورة : ولي عهد شاب يحارب التطرف والإرهاب وينفتح على المجتمع ويقاوم الفساد ولا يخشى الأقوياء ، وأصحاب الجاه والنفوذ..

ولكن ماذا تخفي الصورة الوردية ؟ وما هي الرهانات الحقيقية للرجل القوي في السعودية اليوم ؟

يبدو أننا أمام نهاية مرحلة كاملة بالمملكة العربية السعودية تميزت بما يمكن أن نسميه بحكم الأبناء ، أي أبناء مؤسس الدولة السعودية الحديثة عبد العزيز آل سعود سنة 1932 وقد يكون الملك سلمان، وهو الابن الخامس والعشرين للملك المؤسس، آخرهم وقد يصبح ولي العهد محمد بن سلمان هو أول الملوك الأحفاد..
اعتلى الملك سلمان الحكم في 23 جانفي 2015 وقد تجاوز آنذاك 79 سنة ..واهم ما ميّز هذه السنوات الثلاث هي الحروب المفتوحة والمتعددة الأبعاد مع العدو الأساسي للمملكة : إيران الشيعية ومختلف أذرعتها في المنطقة العربية وبالأساس حزب الله في لبنان ودوره في سوريا وجماعة الحوثي في اليمن..فكانت الحرب في اليمن في 25 مارس بدعوة من الحكومة المعترف بها دوليا لمنع تحول موازين القوى فيها وانتصار جماعة الحوثي أي الممثل السياسي الأهم للشيعة الزيدية والتي اقتربت كثيرا من اطروحات ولاية الفقيه للخميني رغم الفوارق المذهبية التاريخية بين الزيدية اليمنية والاثني عشرية الايرانية..

ولكن هذه الحرب التي كان شعارها «عاصفة الحزم» في البداية والتي كانت مبرمجة لأسابيع قليلة متواصلة إلى حد الآن وقد استنزفت المملكة ماليا وبشريا كذلك..

بعيد أشهر قليلة وبالتحديد في 30 سبتمبر 2015 تدخلت روسيا عسكريا في سوريا بطلب من نظام بشار الأسد الذي استعاد أنفاسه بدءا بفضل ميليشيات حزب الله التي منعت سقوط مدن وقرى كثيرة في سوريا ونهاية بالتحول الكبير في موازين القوى العسكرية بفضل التدخل الروسي..
وقبل ذلك بسنة ،في أوت 2014 ،انطلقت الغارات الجوية الأمريكية ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق ورغم المجهودات الديبلوماسية للمملكة إلا أنها لم تتمكن من تفنيد صورة الارتباط الإيديولوجي بين الوهابية وكل الجماعات التكفيرية الارهابية المعولمة كما أن الحرب الدولية ضد الدواعش كان من نتائجها المباشرة العودة النسبية لإيران في الصورة عبر إمضاء الاتفاق مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي في جويلية 2015 ..

ففي المحصلة تورطت السعودية في حرب استنزاف في اليمن واستفادت إيران بصفة قوية من الحرب ضد الإرهاب الداعشي في العراق وسوريا وكل هذا مع ضباب كثيف حول صورة المملكة وعلاقتها بالتطرف الديني..
حاولت المملكة الوهابية عكس الهجوم وأحدثت في ديسمبر 2015 ما أسمته بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب والذي كان يهدف بالأساس إلى عزل إيران عربيا وإسلاميا ثم تم تمرير تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية في عدة منظمات عربية.

وتواصل الهجوم السعودي على الوجود الإيراني مع قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر في 5 جوان 2017 واعتبارها دولة راعية للإرهاب وبالأساس لحماس وللإخوان أي أن هذا الثالوث (قطر وحماس والإخوان) السني في الظاهر إنما هو حليف للنفوذ الشيعي الإيراني وعزل قطر وحلفائها كان المقصود منه وضع حدّ لتمدد النفوذ السياسي وحتى العسكري لايران في المشرق العربي.

ولكن يبدو ان كل هذا لم يكن كافيا وان ثغرات داخلية كبيرة في الداخل السعودي تمنع من إحداث الانسجام بين المطالب السعودية والاستراتيجية الغربية والأمريكية خاصة ولعل هذا ما يفسر البروز السريع والمفاجئ لمحمد بن سلمان وبحملة الإعلانات الإصلاحية التي صاحبت برزوه في هذه الأشهر الأخيرة : انفتاح على المرأة ومحاربة للتشدد وعزم على القضاء على ما يسمى بتيار الصحوة اي الوهابية الحركية المتأخونة والقريبة من التيارات السلفية الجهادية والمناهضة للوجود الأمريكي العسكري في المنطقة بكل قوة.. وما سمي بالحملة الاخيرة ضد الفساد ليس إلا مواصلة في التسويق لهذا الإصلاح الجدي والراديكالي وان هنالك مرحلة بصدد الاحتضار دينيا وسياسيا وماليا وفي طريقة ممارسة الحكم أيضا.. والمقصود هو أن تبدو المملكة كحليف ذي مقبولية غربية وأمريكية مرتفعة وان يعقد بين الرياض وواشنطن تحالف جديد يؤكد حلف كوينسي لسنة 1945 بين الملك ابن سعود والرئيس فرنكلين روزفالت فوق البارجة الحربية الأمريكية كوينسي في 14 فيفري 1945 والذي قام آنذاك على مبدإالحماية العسكرية للسعودية ضد خصومها مقابل ضمان تزويد الولايات المتحدة بالبترول..

فقد يكون التحالف الجديد مدعما للقديم مع إضافة عنصر لا يثير إشكالا كبيرا وهو تحجيم الدور الإيراني في المنطقة وقطع اذرعته الأكثر حيوية وخاصة منها حزب الله في لبنان وحركة الحوثي في اليمن..
وهذا التحجيم سيأخذ ولاشك اشكالا عدة : عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا وأيضا مالياوان السعودية مستعدة لاقتناءات عسكرية ضخمة تسمح باستمرار الآلة الصناعية الحربية الأمريكية مقابل تحقيق انتصارات ملموسة على «الهلال الشيعي».
وهكذا فأولى هذه «الحروب» الجديدة القديمة ستستهدف حزب الله ولاشك وما استقالة رئيس الحكومة اللبنانية من الرياض بالذات الا تمهيد لازمة سياسية جديدة في لبنان قصد العزل السياسي لحزب الله أولا كنقطة أولى للحد من وجوده العسكري خاصة في سوريا أما الواجهة الثانية فهي الحسم السريع للحرب في اليمن والتعويل على الحليف الأمريكي لقطع كل إمداد من أي صنف من إيران.

حروب جديدة ستقدم عليها السعودية مع ولي العهد الشاب بعضها عسكري (اليمن) والآخر ديبلوماسي (قطر) وكثير منها داخلي..قبضة حديدية مبتسمة تنهي عصر الملوك المسنين ليبدأ عهد القادة الشبان المصممين على قيادة السعودية من اجل ريادة إقليمية وفوز على الغريم الأكبر إيران..حروب تستوجب وحدة صف داخلي لا يعلو فيها صوت فوق صوت «الإصلاح»..

الأسابيع والأشهر القادمة ستكون محددة لرسم ملامح هذا العهد الخليجي والعربي الجديد..

المشاركة في هذا المقال