أوراق في قصص العبث وملاحم شيوخ القبائل: I - الـدولة كلاعب كرة قـدم..

في كل يوم أحد سيكون لكم موعد جديد مع أوراق متناثرة تروي بعض العبث في زمن العبثية... أوراق متناثرة لا يجمعها رابط ولا علاقة لها ضرورة بأحداث بعينها .. أوراق همّها الوحيد تقصي بعض ملامح العبث لشيوخ القبائل عندنا... فقط... لا غير...

كم هي سريالية السياسة اليوم في تونس ،الكلّ يطلب من الدولة التدخل في كل شيء ولكن الدولة لم تعد ذلك الكائن المفارق المحتكر لوحده العنف الشرعي بل لم تعد حتى الحَكَم الذي يُرجع إليه في الأزمات والخلافات بين مختلف «قبائل» تونس اليوم..

الدولة أصبحت كائنا يمشي بين الناس وإن لم يأكل دوما في الاسواق وهي تتصارع مع بقية شيوخ «قبائل» البلاد وهي كابن المرأة تنتصر أحيانا وتهزم في أحيان كثيرة وتهديدها ووعيدها لم يعد يخيف أية قبيلة بل أحيانا تخاف الدولة من رجع صدى وعيدها الذي عادة ما يتحطم على صخور عدم الاكتراث بها..
لا أحد يخاف الدولة ولا أحد يثق بها لا لأنها كيان هويته وهوايته الكذب بل لأنها فاقدة للثقة في نفسها وجلّ قراراتها تستبطن الارتجال والوجل في آن .

في كلمة واحدة لقد أصبحت الدولة في بلادنا احد اللاعبين في مقابلة «القبائل» المستعرة، هي تملك الكرة ولاشك ولكنها لا تملك الفنيات أو قوة الحضور على الميدان أو الصلابة الدفاعية أو القذفات القوية والمباغتة..فالدولة لاعب يُقبل به أحيانا على مضض، فقط لأنه مالك الكرة لا غير ، ولو تمكنت قبيلة من افتكاك الكرة منه لأرغمت الدولة على مغادرة الميدان ولحرمت حتى من دكّة الاحتياط..

وفي كل مرة كانت الكرة بحوزة الدولة – عن طريق الخطأ أو الصدفة– إلا وتعالت أصوات الجماهير بالسبّ والشتم وألقيت الشماريخ من كل الأحجام والأصناف والألوان ، لا لأنّ الدولة كلاعب فاقدة لكل أبجديات كرة القدم ولكن لأن الجمهور لا يحبذ تكتيكاتها وطريقة لعبها فجلّ تمريراتها خاطئة وجلّ استقبالاتها للكرة مضحكة..وفي الحقيقة العيب لا يكمن في الدولة كلاعب بل في مدربيها الفنيين والبدنيين والنفسيين فنصائحهم معقدة ومتناقضة وهي في العادة غير متلائمة ووضعيات اللعب الحقيقة فوق الميدان ..

فالدولة لاعب له نوايا طيبة وهو يشتغل أكثر من غيره ولكن من سوء طالعه يخونه التوفيق في جل الحالات ...

ويذكر بعض مشائخ القبائل أن الدولة ذات مرة افتكت الكرة وراوغت جلّ منافسيها بطريقة بهلوانية ثم سددت بقوة نحو المرمى فاصطدمت الكرة بأقدام عديدة ثم ولجت شباك الخصم وسط بهتة دفاعية جماعية..
فانبرت الدولة تجري وتزغرد في وسط الميدان واعتقدت في قرارة نفسها أنها أصبحت من طينة اللاعبين الكبار وأنها لو سجلت هدفا ثانيا لاقتحمت باب الاحتراف ولدعيت إلى أعرق الأندية الأوروبية..
ولكن هيهات فالتاريخ كما كرة القدم لا يعيد نفسه إلا في صورة مهزلة..

ففي ذات مرة افتكت الدولة الكرة مرة أخرى وراوغت بلاعبين وتوجهت نحو المرمى وسددت بقوة فسجلت هدفا في الزاوية التسعين ..والتفتت إلى الجمهور للانتشاء بالتصفيق والهتاف فلم تر سوى الذهول والدهشة والتفتت إلى زملائها «قبائل»تونس وقرأت الحيرة على محياهم ثم التفتت إلى السبورة اللامعة ففهمت بعد جهد جهيد أنها سجلت هدفا..ضدّ مرماها..وفي الحين طالب المدرب بتغييرها تحت تصفير الجماهير وتبخرت في لحظة من الزمن أحلام الاعتراف والاحتراف في الخارج..

الدولة لا تلعب تحت الضغط والتهديد ففي كل مرة يصرخ في وجهها أحد مشائخ القبائل أو حتى شبانها، لتمرير الكرة مزمجرا (ti passe )تغتاظ الدولة وتقول له من فضلك اعرف من أنت بصدد مخاطبته خذ الكرة فلا فائدة في الصراخ والعويل ..

الكل يشيد بالروح الرياضية العالية للدولة فهي حتى عندما تغضب وتهدد سرعان ما تعود إلى الجادة خاصة إذا صرخ احد شيوخ القبائل بملء حنجرته عندها تدعوه الدولة إلى الحكمة والتعقل وإعلاء مصلحة الوطن وأنه «ما صار شيء» وان هي إلا مباراة في كرة القدم ليس إلا وان انهزمنا في هذه المقابلة فعزاؤنا أن القادم قد يكون أفضل فنحن في النهاية أقوى من كل خصومنا فهم يتعجلون النتائج بينما نحن أول مصدري صبر أيوب والذي نملك منه اكبر مخزون في الجغرافيا وكذلك في التاريخ ..فلم العجلة؟

ينصت شيوخ القبائل لصوت الحكمة هذا ثم ينظرون لبعضهم البعض فتتعالى أصواتهم بالصراخ والتهديد بقلب الدنيا «سافيها على عاليها» فتضع الدولة أصابعها في مسامعها لأنها أضاعت (Ses boules quies) وتطلب الهداية للجميع وتدعوهم إلى صلاة استسقاء حتى يصبح الملعب منسجما مع المعايير الدولية في التزحلق على الطين..
تلك أخبار الدولة نداولها بين الناس حتى لا تكون حكمتها دُولَة بين مشائخ القبائل فقط..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115