فشل جديد في انتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من الأزمة إلى المهزلة !

لو أردنا عنوانا وحيدا للعبث السياسي في بلادنا لكفانا ما جرى وما يجري حول الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ..

لقد رأينا في هذه الأزمة ،كل شيء، من الصراعات الشخصية الصبيانية إلى مناورات بعض أحزاب الحكم والنتيجة : الفشل مرة ثانية في انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات رغم أنه كان يكفي في كل مرة حصول أحد المترشحين على 109 أصوات فقط ولكن في هاتين المناسبتين نتبين مدى هشاشة «التوافق» الحاكم في البلاد ، إذ تشبث الحزبان الأولان ،النداء والنهضة بمرشحين مختلفين بما أدى إلى فشلهما الاثنين والى إعادة المسار من جديد أو هكذا يفترض المنطق فتح باب الترشح من جديد لكل أعضاء الهيئة ثم مناورات الأحزاب ومشاوراتها قصد توافق لا شيء يجعلنا نجزم بحصوله ما دام قد غاب في المناسبتين السابقتين ..

كيف نفسر حصول توافق بين مختلف الكتل- رغم صعوباته الجمة – لتسديد الشغورات الثلاثة والتي كانت تستدعي ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب أي 145 صوتا لكل واحد منهم وعجزت عن انتخاب رئيس ب109 أصوات فقط ؟ ! وكيف نفسر التنافس غير المفهوم بين النهضة والنداء في هذه القضية بالذات والحال أن الجميع يدرك أنه من مستلزمات تجاوز هذه الأزمة الممتدة على أشهر طويلة هو أن يحرز رئيس (ة) الهيئة القادم(ة) على أرفع نسبة تصويت معلنة وأن تتوافق عليه كتل الحكم والمعارضة كذلك.. كيف نفسر أن من توافقا على حكم البلاد قد عجزا عن الاتفاق على ماهو دون ذلك ؟

قد يذهب بعضهم إلى أن التأجيل المتواصل لانتخاب رئيس هيئة الانتخابات إنما يقصد من ورائه إضعاف حظوظ إجراء الانتخابات البلدية في مارس القادم مادام رئيس الجمهورية قد سبق له وأن ربط بين استكمال الهيئة وانتخاب رئيسها من جهة وإصدار أمر دعوة الناخبين من جهة أخرى..

وعندما نعلم الحرص الظاهر لحركة النهضة على إجراء الانتخابات البلدية فقد نستنتج بأن حزب نداء تونس هو الطرف الراغب في عدم إجراء الاستحقاق الانتخابي البلدي في ميقاته المعلوم .. ولكننا لا نميل كثيرا لترجيح هذا الرأي لأنه لا يوجد حزب واحد له مصلحة فعلية في إجراء الانتخابات البلدية حتى عندما يبدو في العلن ،من أكثر المتحمسين لها..
كما أننا لا نرجح فرضية التنافس على وضع اليد على رئاسة الهيئة وذلك لأسباب حسابية بسيطة : لقد كانت كتلة النهضة في التأسيسي وفي مجلس النواب محددة لانتخاب الأعضاء التسعة لهيئة الانتخابات أما كتلة النداء فقد كانت محددة هي الأخرى في انتخاب ستة أعضاء اي ثلثي مجلس الهيئة المنتخب كله خلال هذه السنة..
في الحقيقة لا نكاد نجد مبررا مقنعا واحدا لتفسير هذا الخلاف المستمر بين حزبي الحكم الرئيسيين إلا إذا كان الأمر متعلقا برغبة أحدهما أو كليهما في تعميق أزمة هيئة الانتخابات والضرب نهائيا ما تبقى لها من مصداقية..

يحصل كل هذا رغم أنّه لا شيء يفيد ،اليوم، خسارة التحالف الحاكم للانتخابات البلدية القادمة ولا حتى تغير موازين القوى داخله أي بلغة أوضح لا شيء يفيد إلى حدّ الآن احتمال تفوق النهضة على النداء في هذا السباق الانتخابي القادم..

قد يكون هاجس الحزبين المتحالفين /المتصارعين هو انتخابات 2019 علما بأنّ رئيس هيئة الانتخابات القادم سيشرف على ما لا يقل عن ثلاثة مواعيد انتخابية اساسية: البلديات في مارس 2018 (؟) والتشريعية والرئاسية في خريف 2019..وقد يخشى احد الطرفين انفراطا محتملا للتحالف الحالي بينهما وعودة قوية للمنحى التنافسي بعد سنتين وهكذا يكون انتخاب رئيس الهيئة عملية جد هامة لا للاشتغال على «تزييف» مسبق كما يعتقد ذلك الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي بل تخوفا من طوارئ محتملة..

ولكن أيا يكن الأمر ومهما كانت فرضيات أو توجسات النهضة والنداء وبقية كتل البرلمان فإنّ ما يحصل اليوم في قبة باردو مهزلة بكل معاني الكلمة ودلالة على عجز المنظومة الحزبية الحاكمة بالأساس عن إدارة عقلانية للشأن العام بما أساء إليها وأساء كثيرا بصورة الحكم والدولة واضعف ثقة الداخل والخارج في سلامة انتقالنا الديمقراطي وشرّع لكل مشكك في نوايا حكام تونس اليوم..

نحن نعلم أن ما يحصل من خزعبلات حزبوية لا يرضي الكثير من نساء ورجال السياسة في بلادنا حكما ومعارضة ولكن لا احد تحرك بما فيه الكفاية لوضع حدّ لهذه الألاعيب ولا احد صرخ بالقوة الكافية بأننا بصدد التفويت في أهم مكاسب تونس الثورة وأننا بصدد إضاعة وقت البلاد وفرص سيرها في الطريق السوي..
تونس تحتاج إلى هبّة قوية يقودها السياسيون النزهاء ليقولوا كفى ، إضاعة للوقت ، كفى حسابات ضيقة الأفق ،كفى استهتارا بحاضر تونس وخاصة بمستقبلها ..

كيف تريدون من المواطنين العودة للعمل والقبول بالتضحية في سبيل تونس والحال ان العمل على ما ينفع البلاد والعباد هو آخر اهتمامات بعضكم..
شمعة الأمل خافتة والرياح عاتية فكفوا عن التنازع فتذهبوا وتذهب ريحكم..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115