الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لحكومة الشاهد البدايات الصعبة

تريد حكومة الشاهد في نسختها المنقحة أن تجعل من سنة 2018 سنة البداية الفعلية للإصلاحات الكبرى بدءا بالوظيفة العمومية ووصولا إلى منظومة الدعم مرورا بالصناديق الاجتماعية ومعضلة التقاعد وكذلك الوضعية غير المريحة للمؤسسات العمومية..

ولا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين أزمة المالية العمومية وأزمات كل هذه القطاعات ..فنحن أمام أزمات متضافرة ومتراكمة يزيدها النمو الهش لاقتصادنا تعقيدا..

لاشك أننا نحتاج إلى إصلاحات عميقة لكل منظوماتنا الاقتصادية والاجتماعية حتى نتجاوز معيقاتها المتوارثة وان نوفق فيها بين النجاعة الاقتصادية في خلق الثروة والعدل المطلوب في توزيعها ..ولكن عادة ما ترفض المجتمعات الإصلاحات الاجتماعية لان جل فئات المجتمع لا تريد الخروج من منطقة رفاهها (Les zones de confort) وتزداد هذه الصعوبات عندما تريد أغلبية حاكمة تنفيذ برامج إصلاحية لم تعلن عنها في حملتها الانتخابية وبالتالي لم تنتخب على قاعدتها..
من بين هذه الإصلاحات التي تعول الحكومة كثيرا على نجاحها إصلاح الوظيفة العمومية..ويتضمن هذا الإصلاح محاور شتى أهمها :

- التقليص الفوري في عدد الموظفين عبر برنامجي التقاعد الطوعي المبكر لمن هم ما بين 57 و59 سنة.

- الحد من الانتدابات والاكتفاء بتعويض متقاعد من أصل أربعة

- ربط الزيادات في الأجور بالنمو والإنتاجية

- إرساء نظام وظيفة عمومية عليا

- مراجعة جذرية لقانون الوظيفة العمومية على مستوى التأجير والحوافز وخاصة الحراك بين مختلف المصالح والوزارات والجهات..

وغاية الغايات هي تعصير الإدارة والحد من كلفتها على الاقتصاد الوطني عبر التقليص من كتلة الأجور إلى نسبة %12.5 من الناتج الإجمالي المحلي في أفق سنة 2020..
أولى خطوات الإصلاح في نظر الحكومة هي الخروج الطوعي للتقاعد والذي يهم من هم فوق 57 سنة ودون 59 سنة ويوم أمس كان آخر يوم لقبول ملفات الراغبين في هذا الخروج الطوعي..وكانت الحكومة تأمل أن ينخرط في هذا البرنامج ما بين 10.000 و15.000 موظف أي ما بين %1.5 و%2 من مجموع أعوان الوظيفة العمومية ..
ورغم إغراء «التنفيل» الذي سيسمح لهؤلاء الموظفين بجرايات تقاعد كاملة كما لو أنهم غادروا في سن الستين فإن عدد الموظفين المنخرطين في هذا البرنامج كان في حدود ثلاثة آلاف عون فحسب بما مثل خيبة أمل كبرى لصناع القرار الحكومي خاصة وأن المئات من الملفات سيتم رفضها نظرا لحاجة الادارات المعنية لها بما سيجعلها أمام 2200 حالة على الأرجح.

يمكن أن نقرأ هذا الرقم بأشكال مختلفة نجمل أهمها فيما يلي :

• ضعف الخطة الاتصالية الموجهة لهذه الشريحة الخاصة من الموظفين (حوالي 30.000 عون) وقد يعود هذا لكثرة الاخبار الهامة التي يقصي فيها اللاحق السابق بما لم يسمح بتفسير بيداغوجي معمق لهذا الإجراء للشريحة المعنية به

• تشبث العديد من الموظفين في هذه السن بمواصلة العمل حتى بعد سن الستين..فالمغادرة تعني للكثيرين منهم الفراغ فجلهم لم يستعد بعد لحياة ما بعد الوظيف خاصة ونحن نتحدث عن كهول مازال جلهم في أوج العطاء.

وفي المحصلة بداية إصلاح الوظيفة العمومية كانت بداية متعثرة والواضح أن تفاعل التونسيين مع مقترحات الحكومة ضعيف للغاية..
ولكن الصعوبات القادمة ستكون اكبر إذ ستجابه الحكومة بمقاومة اجتماعية في ما يتعلق ببعض عناصر إصلاح الوظيفة العمومية كحراك الموظفين والوظيفة العمومية العليا..

سنة 2018 ستكون سنة الاختبار الفعلي للنفس الإصلاحي للحكومة وكذلك لمدى تناسق نظرتها الاصلاحية وقدرتها على التنفيذ..
فجهنم ، كما يقال ، مفروشة بالنوايا الحسنة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115