بعد أن تعالت الأصوات منتقدة لخيارات رئيسها ومؤسسها النهضة زمن التصدعات السياسية

يقول العارفــــــون بشأن الحركة الإسلامية التونسية بأن الاجتماع الحالي لمجلس الشورى المنعقد من 22 إلى 24سبتمبر قد لا يكون اجتماعا حاسما ولكنه سيكون بالتأكيد اجتماعا ساخنا خاصة بعدما تبين الشرخ داخل الكتلة البرلمانية للنهضة بمناسبة التصويت على مشروع قانون المصالحة في المجال الإداري..

فالخلافات اليوم داخل حركة النهضة لم تعد تدار في المطابخ الخلفية بل في العلن ووسائل الإعلام وان لم تصل إلى نشر الغسيل الداخلي كما حصل ذلك مع نداء تونس وشقوقه..

هنالك شيء جديد يحصل داخل حركة النهضة لابد من الإصغاء إليه بكل انتباه إذ لأول مرة تكون الخلافات حول الاستراتيجيات السياسية داخل الحركة وخارجها..خلافات لا نكاد نجد لها نكهة عقائدية كما كان ذلك الحال على امتداد حوالي نصف قرن من تأسيس الجماعة الإسلامية إلى اليوم..
آخر الخلافات القوية حصلت بين ما كنا نسميه بالصقور والحمائم أثناء حكم الترويكا والى حدود حسمه نهائيا سنة 2014..ولقد كان الخلاف آنذاك سياسيا وعقائديا في ذات الوقت..فالصقور كالصادق شورو والحبيب اللوز وغيرهما ،كانوا يعبرون عن الوجه السلفي الاخواني بترجمة ثورية : أي أن أعداء الدولة الإسلامية أصبحوا أعداء الثورة الخ..لقد كان ذلك آخر مخاض عقائدي سياسي،اذ لم يبق بعد عملية التجميل الخارجية سوى السياسيين وابتعد العقائديون (بصفة نهائية ؟) من مواقع القيادة والقرار..

ونظرية «التخصص» في السياسة التي ظهرت بمناسبة المؤتمر العاشر للنهضة في صائفة 2016 إنما كانت تاطيرا فكريا لأمر قد حسم بقوة التنظيم والجهاز ..

ولكن التخلص من الجناح العقائدي لم يقتل الخلافات الداخلية بل لعله غذاها إذ أصبحت كلها متمحورة حول طبيعة تموقع الحركة الإسلامية في الساحة السياسية وإستراتيجية تحالفاتها السياسية وسوف نرى في قادم الأشهر والسنوات خلافات قوية حول طبيعة تصورها الاقتصادي والاجتماعي وهي خلافات ضامرة إلى حد الآن ..
والخلافات السياسية في كل حزب لا تنفك عن الخلافات حول الحوكمة الداخلية أي في كيفية إدارة الخلاف وطريقة اخذ القرارات ..ومن حيلة التاريخ أن الزعيم المؤسس والعقائدي الأول داخل الحركة منذ البداية هو الذي قاد عملية إقصاء العقائديين من الواجهة الأمامية ومن محاور الاهتمام النهضوي وهو الذي يقود ما اسماه هو نفسه بعملية التطبيع مع المنظومة القديمة لسنة 2014 .هذه السياسة التي يسوق لها تحت مفهوم «التوافق» بين «الشيخين» بداية والحزبين (النهضة والنداء) نهاية ..ولكن لاستمرار هذه السياسة معه وبعده أراد الغنوشي أن تطلق يداه بالكلية داخل النهضة وان يكون هو الوحيد صانع القرار فيها ..وقد كان له ما أراد ولكن بعد معارضة شديدة لم يكن يتوقعها من «أبنائه» الخمسينيين على غرار عبد اللطيف المكي وفتحي العيادي وعبد الحميد الجلاصي..

ومنذ تلك الفترة أصبح في النهضة بوضوح كامل تياران كبيران:

تيار يقول بأن التوافق الكلي مع الباجي قائد السبسي ومع النداء هو عنوان المرحلة رغم بعض مساوئه للحركة.فالإسلام السياسي مهدد اليوم وطنيا وإقليميا ودوليا ولابد له من غطاء قوي يحميه..ووحده رئيس الدولة وحزبه قادران على توفير هذه الحماية وعليه فكل تنازل يهون من اجلها ..وهذا الخط ،لكي ينجح، يتطلب انضباطا كليا وتاما لرئيس الحركة وتحجيم كل الأصوات النشاز حتى لا يتم التشويش على هذا الوفاق الحيوي بالنسبة للنهضة..

أما التيار الثاني والذي تتزعمه القيادات الخمسينية والتي صنعت في الثمانينات «الربيع الإسلامي» في الجامعة فهو لا يعارض ضرورة التوافق ولكنه يعارض شروطه وطريقة التفاوض حوله ويرى أن هذه مسألة حيوية لا يمكن أن يختص بها الرئيس المؤسس وان الانفراد بالرأي قد يعقد التعايش داخل هذا الجسم الكبير الذي هو حركة النهضة..
وبين من يسير على «نهج الشيخ» ومن يعارضه أصوات متنوعة بعضها يركز على ضرورة مواصلة التجديد الفكري للحركة حتى تقطع نهائيا مع جذورها الاخوانية السلفية وبعضها يريد أن يعطي بعدا اجتماعيا لبرامجها الاقتصادية باعتبار أن السائرين في فلك الشيخ هم من دعاة الليبرالية الفجة او حتى المتوحشة..
ولكن كل هذه الخلافات حول الإستراتيجية السياسية للحركة وحوكمتها الداخلية لا تخفي بطبيعة الحال حربا خفية حول خلافة «الشيخ»..

فراشد الغنوشي يبلغ من العمر 76 سنة وهو و إن مازال شابا بالمعايير السياسية التونسية إلا انه لا يستطيع البقاء في الواجهة الى ما لا نهاية له ..واليوم لا وجود لخليفة طبيعي للغنوشي فلا علي العريض ولا عبد الفتاح مورو ولا الخمسينيين يستطيعون اليوم أن يفرضوا أنفسهم على كل الحساسيات داخل الحركة الإسلامية دون إشكال..وخاصة عندما نعلم ان الحل والعقد جله قد انحصر في يد «أفندينا» وهذا ما يعقد كثيرا مسألة التداول الجيلي داخل الحركة الإسلامية ..

وما يخشاه «حراس المعبد» النهضوي هو ألا يتمكن خليفة الغنوشي من المحافظة على الوحدة السياسية للحركة..إذ الخوف الأساسي لا يكمن في احتمال انشقاق تنظيمي بل في «انفلات» سياسي أي تعدد التعبيرات المتناقضة داخل الصف القيادي الأول دون قدرة على «التأليف» وتوحيد الطرف المخاطب..
خلاصة القول لقد ولى الزمن النهضوي السعيد القائم على السمع والطاعة واتباع الجماعة ..اليوم حركة النهضة حركة سياسية يعتريها ما يعتري غيرها وتتصارع فيها التصورات والإرادات والواضح أننا مازلنا في بداية مسار لم يفصح بعد عن كل مفاجآته..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115