فتح باب النقاش حول زواج المسلمة بغير المسلم

ينتبه المطّلع على الصحافة العالمية أنّ إلغاء المنشور الصادر سنة 1973 والقاضي بمنع زواج المسلمة بغير المسلم قد أثار جدلا بين المدافعين عن حق الله وشريعة الله والثوابت والقطعيات... والمنافحين عن حقّ المرأة في الاختيار، وتحديد مصيرها، والداعين إلى احترام المواثيق والمعاهدات الدولية وما تلتزم به الدولة المدنية وفق الدستور. ويهمّنا في هذا النقاش

المحتدم بين من وضع الزواج في إطار «لاهوتي» على حدّ تعبير الشيخ علي جمعة ومن رأى أنّه شأن اجتماعيّ تبيّن مسارات التفكّر وأساليب الاحتجاج علّنا نقف عند مواطن الجدّة.

يقوم خطاب من اعتمدوا الطرح الدينيّ على اجترار أقوال القدامى وكأنّ السلف لم يُبقوا شيئا للخلف بل أكثر من ذلك رأينا من يُصدر الأحكام فيعتبر الزواج زنا ويحكم عليه بالبطلان محاكيا في ذلك الدعاة الإسلاميين كالشيخ محمّد العريفي وغيره، وهو أمر يشير إلى مأزق الاجتهاد في تونس إذ لم يكن هذا الموضوع حافزا لخلق ديناميكية فكريّة داخل المؤسسة الزيتونة ولا خارجها.غير أنّ ارتفاع أصوات نسائية تعرض مناهج متعددة (الفيلولوجيا، الأنتربولوجيا،السوسيولوجيا...)لقراءة النصوص الدينية وتعبّر عن فهم مختلف لما أنتجه ‹رجال الدين› مثير للانتباه لاسيما وأنّه يعكس تمسكّ هذه الفئة من الدارسات بحقهن في التفكير.

أمّا في مصر فقد ظهر الخطاب التقليدي والمحافظ الذي يعتبر أنّ المسلم يحترم الأديان في حين أنّ الكتابي لا«يعترف بالنبيّ»، غير مقنع. فهذا التمثّل للمسلم وللكتابي قد عفا عليه الدهر. فهل شققنا على الصدور وعلمنا مسبقا كيف سيكون سلوك الزوج؟ وهل مازال الموقف الاستعلائي الذي يتصوّر أنّ المسلم وحده القادر على احترام الأديان معبّرا عن الواقع المعيش؟ يضاف إلى ذلك أنّ «رجال الدين» يصرّون على ضرب الوصاية على المؤمنين والمؤمنات ويعتقدون أنّ خطابهم مقنع ومؤثر وأنّ بإمكانهم التصرّف في مصائر النساء وتغيير مواقفهن من خلال إصدار الأحكام والفتاوى والحال أنّ زواج فئة من المسلمات بغير المسلمين مستمرّ وهو حقيقة لامرية فيها.

والملفت للانتباه في النقاش المصري وجود حالات خرق «لإجماع علماء الأمة». فقد عثرنا على فئة من الأزهريين انشقت عن الموقف الرسمي للمؤسسة. وقد أدلى هؤلاء بآراء تجيز زواج المسلمة بغير المسلم، وقدّموا حججا من داخل المنظومة الإسلامية. وأفضت عمليّة إعادة قراءة النصوص الدينية التي قام بها عدد من أساتذة الشريعة في مصر وسوريا والكويت إلى التزحزح عن المواقف التي تدّعي النطق باسم الله وتقديم الحقيقة من موقع دوغمائي وثوقي يسدّ المنافذ على الآخرين.

أمّا الذين تعمّدوا وضع زواج المسلمة بغير المسلم في إطار سياسيّ. فقد ألحوا على أنّ الصراع هو بين رئيس الجمهورية التونسيّة الذي ‹تهجّم على الثواب› وشيخ مؤسسة الأزهر. وليست شخصنة الموضوع وقصره على تونس/مصر إلاّ علامة على الالتباس بين السياسي والديني من جهة، وعلى التنافس على مواقع الريادة الفكرية من جهة أخرى. فالبعض يعتبر أن قيادة قاطرة النهضة انطلقت من ‹أمّ الدنيا› وأنّ على الجميع أن ينضوي تحت مشروع إصلاحي ينطلق من مصر حيث مؤسسة الأزهر›ممثلة الإسلام والمدافعة عن وحدة الأمة›. أمّا أن تكون ‹دويلة تونس› هي المبادرة بإحداث تعديلات جوهرية فذاك أمر لا يستساغ لأنه محرج إذ لا يجب أن ننسى أنّ «السيسي» قد دعا إلى تجديد «الخطاب الديني» متجنّبا الخوض في مشروع التغيير الاجتماعي الديني ولذا كانت المقاومة شرسة ظاهرها دفاع عن الإسلام وباطنها صراع حول سلطة التمثيل والهيمنة.

وعندما نتذكّر أنّ مؤسسة الأزهر قد انتقدت بشدّة في السنوات الأخيرة، لوجود تيار سلفي داخلها فرض نصوصا في المقرّرات التعليميّة تتماهى مع خطاب «الجهاديين» أمكننا فهم هذا الهجوم الإعلامي على تونس لاسيما وأنّ الأزهر ظلّ يعرّف نفسه بأنّه مؤسسة وسطيّة، وتقود حركة إصلاحية هامّة. ومما لاشكّ فيه أنّ هذه المعركة التي تحدّثت عنها الصحافة الأمريكية والكورية وغيرها تكشف النقاب عن مخاوف المنتمين إلى المؤسسات الدينية وعن حرب التموقع.كما أنّها تثبت ضعف خطاب التبرير والاستدلال والاحتجاج الذي لم يعد يصمد أمام خطاب مضادّ من داخل المنظومة الدينية ومن خارجها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115