حتى لا نحاكم النظام السياسي قبل استكماله !

يثار جدل بين الفينة والأخرى حول طبيعة النظام السياسي الذي اختارته تونس في دستورها الجديد وحول مدى تلاؤمه مع «الثقافة» المفترضة لشعبنا والتي يبدو ،حسب بعضهم ، أنها متعلقة بالزعيم القائد أكثر من تعلقها بمؤسسات متعالية على الأفراد..

ولكن هذا النقاش ظل إلى وقت قريب منحصرا بين دعاة البرلمانية والرئاسية وحيرة حول تحديد هوية النظام التونسي ما بين البرلماني المعدل أو الرئاسي المحدود..ثم أضيف لهذا النقاش مؤخرا مسألة تغول بعض الهيئات على الدولة التي أشار إليها رئيس الجمهورية في أكثر من موضع وان كان حصر تعيينها في رفض هيئة الحقيقة والكرامة الانصياع لأوامر العدالة وأحكامها من جهة ورفضها لوضع نفسها تحت المراقبة البرلمانية من جهة أخرى..

وفي الحقيقة يظل هذا النقاش الضروري لتنمية حياتنا الديمقراطية مبتورا لأننا لم نعط بعد للنظام السياسي الذي اقره دستور 2014 فرصة الوجود الفعلي حتى ندرس مدى انسجام وانسيابية العلاقة بين مختلف السلط داخله..
عندما ننظر إلى النظام السياسي فقط من زاوية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية نكون قد أخطأنا المرمى لأن الدستور قد انشأ سلطا أخرى لم تر النور بعد..

لقد انشأ الدستور سلطة محلية في بابه السابع تتكون من مستويات ثلاثة : البلدية والجهة والإقليم وأكد الدستور في الفصل 131 بان هذه السلطة تقوم على أساس «اللامركزية» أي أننا ذاهبون إلى منظومة حكم تتوزع بين المركز وهذه الوحدات الجديدة والتي تختص بمجالات واسعة تهم الحياة اليومية للناس ولا نعرف إلى حد اليوم ماهي السلطات الفعلية التي ستنقل من المركز إلى هذه الجماعات المحلية وكيف سيكون التناغم بين الاثنين..

وهذه تجربة ستغير بصفة جوهرية في أشكال ممارسة السلطة والأكيد أن هذه العملية المعقدة لن تكتمل في صورها الأولى قبل عقد من الزمن..

ولقد احدث الدستور التونسي نوعا جديدا من السلطة في بابه السادس وهي الهيئات المستقلة..ونحن هنا لسنا أمام سلطة بالمعنى التقني للكلمة فهي لا تنتخب مباشرة من الشعب ولا تملك سلطة أصلية كسائر الهيئات المنتخبة أو القضاء والذي اعتبره الدستور سلطة في بابه الخامس..نحن أمام شكل مبتكر نجد نظيره في بعض التجارب التي أوكلت إلى هيئات مستقلة مهمة الإشراف على مجالات بعينها كتعديل القطاع السمعي البصري في بلدان عديدة أو الانتخابات أو غيرها من المجالات المخصوصة..

لقد اوجد الدستور خمس هيئات دستورية لا توجد منها الآن بصفة مكتملة إلا هيئة الانتخابات والتي تعيش هذه الأيام وضعية صعبة للغاية نرجو ألا تنعكس سلبا على أدائها المستقبلي..

أما بقية الهيئات فهي هيئة الاتصال البصري ولدينا الآن هيئة وقتية تقوم مقامها وهذا نفس الحال لهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وكذلك هيئة حقوق الإنسان أما الهيئة الخامسة فلم تر النور بعد لا في شكل نهائي أو حتى وقتي وهي هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة..
ثم نحن لم نكمل بعد بناء السلطة القضائية إذ لم نحدث بعد جهد جهيد الا المجلس الأعلى للقضاء بينما لم تر المحكمة الدستورية النور بعد رغم افتراض الدستور إنشاءها بعد سنة من الانتخابات التشريعية أي منذ حوالي السنتين ونشتغل إلى حد الآن بهيئة وقتية ينحصر مجال اختصاصها فقط في مشاريع القوانين المعروضة عليها للنظر في دستوريتها..بينما يكون مجال تدخل المحكمة الدستورية أوسع من ذلك بكثير ..

خلاصة القول إننا نتحدث كثيرا عن ضرورة تغيير النظام السياسي لتونس ونقصد به أساسا التوسيع في صلاحيات رئيس الجمهورية والحال أن نظامنا السياسي بكل أبعاده لم يكتمل بعد ولم تبدأ كافة محركاته في الاشتغال وبالتالي فالمطلوب من كل الجهات المعنية باستكمال هذه المنظومة وعلى رأسها مجلس نواب الشعب أن نتمم الهيكلة بداية وان نعطيها فرصة التجربة العملية لكي نحكم فيما بعد على نجاعة ما أقررناه نظريا وعلى الورق في دستور 2014.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115