يوسف الشاهد أمام مجلس نواب الشعب سيطرة الآني وأزمة المالية العمومية على هواجس الحكومة

بعد سنة ونصف الشهر يعود يوسف الشاهد إلى مجلس نواب الشعب لكي ينال وزراؤه الجدد ثقة المجلس وكالمرة الأولى ألقى رئيس الحكومة خطابا عرض فيه الأوضاع العامة للبلاد وخاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ثم طرح أولويات حكومته والجبهات التي تنوي خوض «حرب» فيها..

وعدنا يوسف الشاهد في أوت 2016 بان حكومته التي ستستمر ، نظريا ، إلى موفى العهدة الانتخابية لهذه الأغلبية أي نهاية 2019 سوف تترك البلاد أفضل بكثير مما كانت عليه وأن كل المؤشرات الاقتصادية ستتجه نحو اللون الأخضر..
بعد سنة من العمل كيف يمكن أن نقيّم حصيلة الحكومة العامة اقتصاديا واجتماعيا؟

يوسف الشاهد سعى لرسم لوحة قيادة متفائلة إلى حد ما فحكومته قد وضعت البلاد على سكة النمو بانتقالها من نسبة نمو بـ%1 إلى حوالي الضعف وأن الاستثمار الأجنبي قد ارتفع بـ%6.7 وكذلك بالنسبة لنوايا الاستثمار في القطاع الصناعي بـ%22.. كما تطور إنتاج الفسفاط بالثلث وارتفعت صادراتنا للخارج ولكن دون ما أعلنه رئيس الحكومة بكثير إذ العبرة بالأسعار القارة لا بالأسعار الجارية في مثل هذه المواضيع ..وهذا بالطبع دون الحديث عن التحسن الملحوظ في قطاع السياحة..

ولكن رئيس الحكومة الذي أقر بنسبية هذا التحسن لم يذكر كلّ نقاط الضعف في هذه السنة من العمل الحكومي..

لم يتحدث يوسف الشاهد عن تراجع الدينار خلال هذه السنة بـ%10 بالنسبة للدولار وبـ%18.2 بالنسبة لليورو..ولا تحدث عن المديونية التي كانت دون %61 في موفى أوت 2016 والتي ناهزت %67 في ظرف 10 أشهر فقط وذلك دون احتساب ديون المؤسسات العمومية ولا كذلك انخرام الميزان التجاري الذي بلغ أرقاما قياسية لأنّنا لم نفعل شيئا يذكر لوضع حدّ للتوريد العشوائي ولأننا لم نفرض شراكات متكافئة ولو نسبيا مع الدول الأساسية المتسببة في عجز ميزاننا التجاري وهي الصين الشعبية وتركيا وروسيا...

سيكون من الصعب جدا الحكم على فاعلية هذه الحكومة خلال السنة الماضية إذ يفترض ذلك أن نكون قادرين على تقييم دور السلطة التنفيذية بدقة كبيرة في الايجابي والسلبي معا..ففي جل الحالات اثر جهاز الحكم -على المدى القصير – ضعيف جدا على المؤشرات الأساسية للاقتصاد لكن اثر السياسات العامة يعطي أو ينتج أثرا على المدى المتوسط بما يفيد بان النتائج الحالية لم تكن لتتغير كثيرا ،سلبا أو إيجابا ،وذلك أيا كان الفريق الحاكم من نفس العائلة الفكرية والسياسية.

ولكن ما لا مراء فيه أنّ وحدها الإصلاحات الهيكلية والتي تنفّذ بصفة فعّالة وجدية هي وحدها التي تفرز تحسنا ملحوظا في مؤشرات الاقتصاد على المدى المتوسط.. وهنا يكمن مربط الفرس..أين هي الإصلاحات الجوهرية لحكومة الشاهد ؟
لدينا حزمة من الإجراءات ومن بوادر الإصلاحات وتوجهاتها العامة جلّها يهدف لعقلنة الإنفاق العمومي سواء كان ذلك في كتلة الأجور في الوظيفة العمومية أو منظومتي التقاعد والدعم وكذلك معالجة العجز المزمن للمؤسسات العمومية..
نحن هنا في صميم الموضوع ،وإن كان في مجال وحيد وهو معالجة الإنفاق العمومي لا غير.. فلسفة الحكومة كانت ومازالت الحدّ من هذا الإنفاق الذي أضحى مرادفا لعجز الموازنة ولتداين البلاد ،ولكن الإشكال أن أهم أطراف الإنتاج ليست متفقة حول مضمون هذه الإصلاحات..
لقد قال يوسف الشاهد بصفة تكاد تكون جلية أن إصلاح منظومة التقاعد يعني مسائل ثلاثا :

- الترفيع في سن الخروج إلى التقاعد

- الترفيع في مساهمة الأجراء والأعراف

- المراجعة نحو تخفيض عام أو جزئي لجرايات التقاعد..

والسؤال هنا ليس فقط في مضمون هذا التصور بل في قدرة السلطة التنفيذية على تمرير إصلاح كهذا على ارض الواقع.

وأمّا فيما يتعلق بالتحكم في كتلة الأجور فإن إعلان الأمين العام للمنظمة الشغيلة ضرورة أن تتضمن ميزانية 2018 النتيجة المحتملة للمفاوضات في الزيادة في الأجور من شأنه أن يضع نقطة استفهام كبيرة حول القدرة على إنفاذ هذه المشاريع..
في المحصلة هل الحكومة الحالية مستعدة للدخول في صراع مع أحد أهمّ وأبرز داعميها ونقصد به اتحاد الشغل ؟ !

الجواب ليس واضحا ولقد رأينا في السنة الفارطة كيف أن مقترح تجميد الأجور في الوظيفة العمومية لمدة سنتين لم يصمد أمام الرفض المطلق للمنظمة الشغيلة..
إذن هل ستنجح حكومة الشاهد في ديسمبر 2017 في ما فشلت في تحقيقه في ديسمبر 2016؟ !

هنالك إجراءات هامة تم الإعلان عنها في خطاب رئيس الحكومة وخاصة منها ما سمي بالباب الثالث أي تثمين ممتلكات الدولة ،وخاصة العقارية منها ، عبر شراكات مع القطاع الخاص أو لزمات أو كراء وغيرها وقدرت جملة هذه المشاريع بـ5.2 مليار دينار على امتداد السنوات الثلاث القادمة..كما رأينا العديد من القرارات الرامية لتشجيع الاستثمار ولاسيما بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة..

ولكن تبقى مسألتان أساسيتان :

• هل سنتمكن، نهاية، من الترفيع الجدي في نسق الانجاز ومن احترام الآجال ومن انفاذ سلطة القانون أم لا ؟ فالفائدة ليست فقط في الإصلاحات الجيّدة على الورق بل في القدرة على الانجاز.

• الانكباب على المشاغل اليومية الملحة يحجب عنا في حالات عديدة أن إصلاح الآني لا معنى له دون رؤية واضحة على المديين المتوسط والبعيد..

ماذا نريد لتونس أن تكون بعد ربع قرن ؟ أين نريد أن نتوجه ؟ وماهي الإصلاحات المهيكلة لهذا المستقبل المنشود؟
نفهم غلبة هاجس الآني على حكومة تتقاذفها تحديات جسام وتجد صعوبات جمة للإيفاء بتعهداتها بصفة تكاد تكون يومية ولكن إدارة الدولة وحتى إدارة المؤسسة اذا انحصرت فقط في حل المشاكل اليومية فمآلها الفشل لان وحده المشروع المستقبلي الواضح والملموس يسمح بمعالجة الآني في ظروف أفضل..

اليوم لا احد يعلم أين سنذهب.. لم نتمكن بعد من صياغة حلم جماعي يأخذ صعوبات الآني بعين الاعتبار ويمهد لمستقبل نريده أفضل..
ما كان غائبا على خطاب رئيس الحكومة هو الإصلاحات والأفكار الكبرى التي ستغير وجه تونس في آفاق سنة 2040 أو 2050 والتي لابد من الانطلاق فيها اليوم..
ما نخشاه على حكومة الشاهد هو انغماسها الكلي في معالجة الملفات الحارقة الآنية دون أفق يخلق حلما جماعيا ويجعل من بعض تضحيات اليوم لبنات لرفاهة مشتركة..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115