استقالة الفاضل عبد الكافي من الحكومة: في أناقة الخروج

• تغيير وزاري متوسط الحجم في الأيام القادمة

لمن مازالـت تخـامره شكـوك في أن تونس قد قامت، فعلا، بثورة وأنّنا بصدد بناء ديمقراطية ناشئة رغم الصعوبات العديدة والتعثرات الكثيرة، نقول لكل هؤلاء المشككين بأن استقالة وزير التنمية والتعاون الدولي ووزير المالية بالنيابة الفاضل عبد الكافي من كل مهامه الحكومية يوم أمس إنّما تبرهن على أنّنا بدأنا في إرساء تقاليد سياسية تليق بأعرق الديمقراطيات ..

لقد أتينا في عددنا يوم أول أمس على أطوار الملف الذي حوكم بموجبه الفاضل عبد الكافي غيابيا سنة 2014 وأن الأمر قد يعود في أقصاه إلى اختلاف في تقييم التقدير المالي لبرمجية ولموقع واب باعتها الشركة التي كان يشرف عليها الفاضل عبد الكافي للمؤسسة التي ساهم في إنشائها في المغرب الأقصى وأن هذا البيع كان شكليا لتقليص خسائر المؤسسة المغربية أي أنه نوع من التعويض تقول المؤسسة التونسية المعنية أن البنك المركزي كان موافقا على كل هذه الإجراءات ..فما يهمنا هنا هو التأكيد على أننا لسنا أمام عملية غش أو احتيال أو فساد وان الحكم الغيابي لا يعني إثبات تهمة معينة نظرا لغياب الطرف الثاني وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه ..وعلى كل حال سيتولى القضاء الحسم النهائي في هذه المسالة والفاضل عبد الكافي سيتقدم إليه كمتقاضي عادي وأن استقالته يوم أمس قد أنهت كل احتمال لتعارض المصالح..

واليوم وقد استقال الوزير نريد التنويه إلى نزاهته في التعامل السياسي مع هذه القضية إذ كان بإمكانه طلب الإعفاء من تكليفه بوزارة المالية والبقاء في الحكومة وإحراجها أمام قضية تصبح قضية رأي عام..

ولكن لجأ الفاضل عبد الكافي إلى الحل الأخلاقي والسياسي الأسلم: الاستقالة كلية والدفاع عن وجهة نظره وعما يعتبره حقه وحق المؤسسة التي كان يشرف عليها أمام القضاء كما أن تصرّف رئيس الحكومة كان أنيقا فهو لم يسع إلى إقالة وزيره وتوظيف هذا لصالحه سياسيا، بل انتظر قرار وزيره ثم قبله وحيّاه على الجهد المبذول خلال هذه الفترة التي شارفت على السنة.

لاشك أن الإخراج السياسي لم يغب لا عن حركة الوزير ولا عن ردّ فعل رئيس الحكومة.. ففي السياسة كل الحركات والتصريحات موزونة ومدروسة ولكن عندما تتناغم الحسابات السياسية مع القيم والنواميس الديمقراطية لا يمكن لنا إلاّ أن نحييها وندعو للبناء عليها ..

الآن لنعد إلى جوهر السياسة..

رئيس الحكومة مضطر الآن للقيام بتحوير وزاري خلال الأيام القليلة القادمة .. فاليوم لدينا ثلاث وزارات شاغرة: التربية والتنمية والمالية والسؤال هل سيكتفي يوسف الشاهد بسد هذه الشغورات فقط أم الاستفادة منها للإقدام على تغيير وزاري طموح ؟
الواضح أن استقالة الفاضل عبد الكافي ستعجّل بالتغيير الوزاري وأن البحث عن عصافير نادرة ليس بالأمر الهيّن في تونس اليوم خاصة في وزارات ذات حساسية عالية كوزارتي المالية والتربية .

والسؤال هنا : هل سيخضع يوسف الشاهد لابتزاز الحزبين الداعمين/ المعارضين للحكومة : النداء والنهضة أم ستكون له القدرة في هذا الظرف الدقيق على تجاوزهما وإعداد تحوير وزاري كما يرغب فيه هو ؟..
يبدو أننا لن نكون في احد هذين الطرفين بل في منطقة أخرى تسمح لرئيس الحكومة بتجاوز ابتزاز حزبه وشروط شريكه ولكن هذا يستوجب دعما من الوزن الثقيل ، وهذا الدعم لا يمكن أن يأتي إلا من رئيس الجمهورية ذاته ..

الوضع الحالي للحزبين الرئيسيين في الائتلاف الحاكم لا يسمح لهما بإملاء شروطهما على رئيس الحكومة ولا يخول لهما أيضا حتى مجرد التفكير في عدم تزكية بعض الوزراء الجدد عندما سيتقدمون للبرلمان لنيل ثقة النواب على مقتضى النظام الداخلي للمجلس المخالف هنا في نصه لروح الدستور ..ولكن هذا لا يعني أن رئيس الحكومة بإمكانه أن يفعل ما يريد ..فبعض الشروط الندائية النهضوية قد تمر عبر بوابة رئاسة الجمهورية باعتبارها «نصائح» أبوية كعدم المساس ببعض وزراء النداء والنهضة من ذوي الأداء المهزوز بداية ثم التفاوض الصعب للمحافظة على جميع وزراء الدائرة المقربة لصاحب القصبة والذين لا يعجبون لا «أفندينا» ولا «ولد سيدنا» ..

السؤال الجوهري يتعلق بالفضاء السياسي الذي سيسمح به رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة : فضاء شبه مطلق أم شبه مقيد أم بين هذا وذاك؟ وهذا الفضاء السياسي متعلق بطبيعة الرسالة التي تريد السلطة التنفيذية ،برأسيها ، إيصالها إلى التونسيين : حكومة تدعمت بعناصر جديدة وازنة لقيادة أكثر فاعلية وقوة للحرب على الفساد وللإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية أم حكومة منكفئة على ما أنجزت وفاقدة لنفس إصلاحي جديد ..

الأوساط المقربة من صاحب القصبة تقول بأن العمل الحكومي سينتقل إلى السرعة القصوى في كل هذه المجالات .

وأن التحويرالوزاري القادم سيشمل بعض الحقائب الأخرى (من اثنتين إلى أربعة) سوى تلك المعنية مباشرة بسد الشغور وبما أن السياسات يصنعها النساء والرجال سننتظر التغيير الوزاري بعد أيام قليلة لنعلم هل أننا فعلا أمام عزم صادق آم أمام تمهيد لسبات عميق ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115