Print this page

هل انتهت: داعش؟

ينكبّ الدارسون الغربيون منذ أشهر،على دراسة قضية جوهرية وهي «ما بعد داعش» Post Daesh ويضعـــون الاحتمـــالات والحلـــول والسياسات الممكنة قيد الاختبار والنقاش وإعادة التقييم ، وهم محقّون في التأهب لمرحلة ما بعد سقوط ‘تنظيم الدولة’ لاسيما وأنّ عددا من أبنائهم انتموا إلى هذا التنظيم وآزروه.
سقطت الدولة/الخلافة

ومنيت بهزيمة فعلية على أرض الميدان فراحت السيادة في مهب الريح وتشتت أنصار الدولة .ولكن هل ماتت الفكرة وهل جرّد الخطاب من قيمته ؟ . إنّ الأعداد الكبرى التي بايعت «البغدادي» والتحقت بالتنظيم وتكبدت مشاق الرحلة وضحت بالغالي والنفيس شدتها إرادة زعماء التنظيم وتصميمهم على الإنجاز. وانبهرت الجموع بقدرة الزعماء الجهاديين على تحويل الفكرة إلى واقع معيش لا مرية فيه، وهذا يعني أنّ الخطاب الجهادي صار أكثر «صدقية’ باعتبار أنّ كلام الجهاديين لم يكن كلاما بكلام وإنّما هو «كلام وفعال» ومن ثمّة صار بإمكان أي تنظيم جديد أن يستقطب الحالمين بإنشاء كيان جهادي بديل. ومثلما تناسل التنظيم من القاعدة نقدّر أنّ تنظيمات جديدة سترى النور لأنّها ستتلافى الأخطاء وتقوم بالمراجعات التكتيكية لتسترجع المجد «الضائع» وستصبح المعركة من أجل «تحرير الأرض المسلوبة».

تكمن خطورة داعش في نظرنا ،في الفكرة وفي استراتيجيات الخطاب قبل أن تكون دولة ذات وجود مادي : أرض وسيادة وحكومة ومؤسسات وعملة... إن هذه الفكرة هي التي أغرت الآلاف من كل أصقاع العالم (50 دولة)وجعلت أبناء الأمم المتحضرة يلتقون مع أبناء الأمم المتخلفة أو النامية على أرضية مشتركة : يقتسمون نفس الحلم ويؤمنون بنفس الأفكار...فاتضح أنّ الجميع غير محصّن من هذا التنظيم الجهادي العالمي.

سقطت داعش ولكن ستواصل التنظيمات الصغرى (70 نفرا) والذئاب المنفردة العمل من أجل إحياء الفكرة وبعثها في لون جديد. فمنذ 2014 نفذت 143 عملية في 29 دولة وسقطت أكثر من 2043 ضحيّة قدمها الجهاديون قربانا للتنظيم وتنفيذا للأوامر التي أطلقها شيوخ الفكر الجهادي. وهذا يعني أنّ سياسات مكافحة التنظيمات ما عادت تنفع وباتت المعضلة: كيف يمكن التحكم في الذئاب المنفردة والجماعات الصغرى المجزأة، والخلايا النائمة؟

سقطت داعش ولكن الجماعات «الحاملة للعلامة» كجماعة أبي سياف في الفلبين،وبوكو حرام في نيجيريا، ومجموعة من «شباب» بالصومال، وغيرها من الجماعات في ليبيا وأفغانستان، وسيناء تلك المروجة لشعار الدولة والمكبرة على إثر كل عملية تفجير ودعس و...

سقطت داعش ولكن الحرفية التي اكتسبها أتباعها من حيث كيفية إدارة شبكات تهريب النفط والآثار والمخدرات وغيرها والتغلغل في شبكات التهريب العالمية والعلاقات الوطيدة التي تجمع المجاهدين بمهربي الأسلحة والمخدرات وغيرهم من منظمي العمليات الإجرامية تجعل إمكانية تمويل التنظيمات الجديدة واردة بل ممكنة.
سقطت داعش ولكن قدرة أتباعها على نشر الأفكار الجهادية على المواقع التواصلية مستمرة، وحرص الشابات والشبان على ابتكار وسائل دعائية جديدة واضح ، فأنور العولقي وبن لادن وآخرون لازالوا يتربعون على عرش الميديا .

سقطت داعش ولكن قدرة التنظيمات الجهادية على التكيّف مع السياق وإيجاد الحلول وابتداع الوسائل والاستراتيجيات التي تتلاءم مع الواقع الجديد ستكون أكبر.

بسقوط «داعش» طوي فصل من تاريخ الجماعات الجهادية وسيستهل الفصل الثاني.ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بعد أن استمعنا إلى شهادات التونسيات الراغبات في العودة إلى تونس صحبة أطفالهن: ما مدى «جاهزية» الدولة التونسية لمواجهة النتائج المترتبة عن سقوط ‘داعش’؟وهل هناك استعدادات واستراتيجيات للتعامل مع هذه الأسر الراجعة بعد شهور أو سنوات من العيش تحت أوامر «دولة الخلافة» وفق نمط عيش يكون فيه الذبح من الوريد إلى الوريد وقطع الأيادي ورجم النساء من الممارسات اليومية «العادية» و«التافهة» والمبررة شرعيا؟وكيف يمكن التعامل مع أطفال خضعوا لتدريبات أهلتهم ليكونوا «أشبال الخلافة»؟.

المشاركة في هذا المقال