Print this page

سنة صعبة في انتظارنا: الأزمة الاقتصادية أمامنا

في تونس ليست لدينا القدرة – على ما يبدو – للاهتمام بأمرين في وقت واحد ،حكومة ونخبا ومواطنين..فتارة تنصبّ كل جهودنا على مقاومة الإرهاب وطورا على أزمة المالية العمومية والعدالة الجبائية وهذه الأسابيع الأخيرة كان كل تركيزنا على حملة مكافحة الفساد وسلسلة الاعتقالات والمصادرات والملفات القضائية ..ولكن يعلم العاقل

أن ما لا تركز عليه العين في لحظة لم يغب بفعل ذلك عن الوجود والتأثير ..فأزمة المالية العمومية مستمرة والتحدي الإرهابي أيضا واستفحال البطالة كذلك وموجات الاحتجاج الاجتماعي وأن الخروج من «عنق الزجاجة» حسب العبارة المحببة لرئيس الجمهورية يقتضي التقدم في كل هذه المجالات بغض النظر عن محاور التركيز الإعلامي الآنية ..

أزمة المالية العمومية ولم تمّح منذ مناقشة قانون المالية للسنة الحالية في ديسمبر الماضي ..بل ما فتئت تتفاقم ولكن في غفلة من الرأي العام ،بينما يتوجس منها المسؤولون عنها خيفة خاصة مع اقتراب المواعيد الحاسمة في النصف الثاني من هذه السنة ..

وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ووزير المالية بالنيابة السيد فاضل عبد الكافي يقول بصريح العبارة بأن قرار صندوق النقد الدولي تسريح القسط الثاني من الدين منذ أسابيع هو قرار سياسي أي بعبارة أوضح أن تونس لم تف بكل تعهداتها من حيث الإصلاحات الاقتصادية وتحسين بعض مؤشرات ماليتها العمومية ..
لاشك أن الوضع الاقتصادي قد تحسن قليلا خلال الثلاثي الأول من هذه السنة وسجلنا لأول مرة منذ سنة 2015 نسبة نمو بـ%2.1 وتقلصا طفيفا في نسبة البطالة ولكن وضع المالية العمومية ازداد تعكرا خاصة من حيث اتساع رقعة التداين وعدم القدرة على التحكم في تفاقم الإنفاق العمومي في أي عنصر من عناصره الأساسية سواء تعلق ذلك بكتلة الأجور أو بجملة النفقات ذات الصبغة الاجتماعية ..

بعبارة أخرى ورغم كل المجهودات فدار المالية العمومية لم تبق فقط على حالها بل زادت تعكرا فالمقترح الأول لموازنة 2018 الذي قدمته المصالح الفنية لوزير المالية افترض ميزانية بحوالي 36 مليار دينار وبحاجيات للاقتراض تقدر بـ12.5 مليار دينار..أي بارتفاع يناهز 4 مليار دينار،وهذا ما لا يمكن تحمله بأية حالة من الحالات ..ولكن حتى مع القيام بالحد من الإنفاق فسوف نصل في أحسن الحالات إلى ميزانية قد تتجاوز 34 مليار دينار وهذا سيضعنا في حالة أصعب بكثير من تلك التي وجدتها حكومة الشاهد في أسابيعها الأولى مع ميزانية 2017..

بداية الصعوبات ستبدأ بالزيارة النصفية لوفد من صندوق النقد خلال هذا الشهر ومعها ستبدأ معاينة النقائص وأن تونس لم تنخرط بصفة جدية في الحدّ من إنفاقها العمومي قصد الحد من مديونيتها وان نسق الإصلاحات الضرورية لم يبدأ بعد في التقليص من كتلة الأجور وفي مراجعة قانون الوظيفة العمومية وفي تغيير قانون التقاعد والتفويت في بعض المؤسسات العمومية ذات العجز الهيكلي ..

هذا دون الحديث عن تراجع إنتاجنا من المحروقات بفعل الاعتصامات والاحتجاجات وعدم وجود ما يكفي من عقود تنقيب وتطوير جديدة وتراجع الدينار أمام اليورو والدولار ورفض الشركاء الاجتماعيين المساس بما يعتبرونه حقوقا مكتسبة ..
مع كل ما سبق تجد الحكومة نفسها في السنة القادمة أمام نقص إضافي بحوالي ملياري دينار نتيجة التخلي عن الضريبة الاستثنائية على الشركات وعن ضخ أكثر من نصف مليار دينار لصندوق الحيطة الاجتماعية وللعجز الإضافي في تعويض المحروقات ..

وما يزيد في تعقيد وضع الحكومة هو اضطرارها إلى الإقدام على بعض الزيادات في الأسعار قصد التقليص من عجز الميزانية ولكن هذه الزيادات سواء تلك التي تم إقرارها في المحروقات أو السجائر أو التي سيتم إقرارها. ضرورة ستدفع بحملة جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية بما يعسر شروط التفاوض في كل الملفات الملحة التي اشرنا إليها آنفا ..

الحرب على الفساد مثلت فسحة راحة جيّدة بالنسبة للحكومة وأعادت الثقة في جديتها على إنقاذ البلاد..ولكن الإصلاحات الاقتصادية أصعب بكثير من اعتقال بعض أباطرة التهريب وهنا مازلنا لم نتأكد من صلابة الفريق الحاكم وإقدامه على إجراءات غير شعبية ولكنها ضرورية لإنقاذ البلاد..

المشاركة في هذا المقال