Print this page

سقطت داعش ولمّا يسقط الإرهاب بعد !

بعد إعلان قيام «الخلافة» الداعشية الإرهابية في الموصل ، ثاني مدن العراق، في جوان 2014 ها أنّ هذا الكابوس الدموي يلفظ أنفاسه الأخيرة في نفس المدينة التي تحررت تقريبا بالكامل (ما عدا مساحة هي دون الكيلومتر مربع) من جماعات الإرهاب السلفي الجهادي

المعولم ونفس المآل ستعرفه «العاصمة» الثانية لهذا التنظيم الإرهابي مدينة الرقة السورية لا محالة في الأيام أو الأسابيع القادمة ..
إذن انهار حلم «الخلافة» الداعشية نهائيا وعاد هذا الذي يسمي نفسه «تنظيم الدولة» إلى ما يشبه وضع غريمه اللدود القاعدة أي مجموعات إرهابية متناثرة هنا وهناك تترصد الفرص للقيام بعمليات إرهابية استعراضية دون أن تكون لها قدرة عسكرية تسمح لها بالسيطرة الدائمة على مجال جغرافي محدد..

قد أكدنا في مناسبات سابقة على الأهمية القصوى لسقوط المعاقل الجغرافية الأساسية لتنظيم داعش لأن في هذا السقوط سقوطا للعقيدة الإرهابية الداعشية برمتها وبيان زيفها الكبير القائم على فكرة القدرة على إقامة «الخلافة الإسلامية» أي دولة قادرة لا فقط على السيطرة على بعض المدن والقرى بل قادرة على استعادة الوحدة السياسية لكامل العالم الإسلامي انطلاقا من «دولة» في العراق والشام..

هذا «الحلم» -أو بالأحرى الكابوس – انهار مع انهيار المجموعات الأخيرة في الموصل والرقة وعودة المجموعات الداعشية إلى حالتها الأصلية : مجموعات صغيرة مطاردة بعد التغني مدة سنوات بألقاب «الخليفة» و«الوزير» و«الأمير» و«الدولة»..

وفي الحقيقة التراجع الكبير لتنظيم داعش الإرهابي كان ملموسا خلال هذه الأشهر الأخيرة في كل أصقاع العالم ..فهو ينقاد من هزيمة لأخرى في معاقله الأساسية في العراق وسوريا وفقد كثيرا من قدراته العملياتية خارج هذه المعاقل فحتى العمليات الإرهابية التي تبناها على امتداد كامل هذه السنة ورغم مشهديتها الدموية والإجرامية إلا أنها تثبت لوحدها عجز قيادة هذا التنظيم على شن عمليات نوعية ومعقدة فكاد الدهس يصبح سلاحها الوحيد في البلدان الغربية كما تراجعت قدرات هذا التنظيم تقريبا في كل البلاد العربية والإسلامية التي كانت فيها للدواعش بعض الصولات والجولات ..

فلو أخذنا مثال تونس سنلاحظ أن هذا التنظيم قد تمكن من تسديد بعض الضربات الموجعة لبلادنا سنة 2015 بدءا من باردو ثم سوسة ثم استهداف حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة..وقد تصورت القيادات الإقليمية لهذا التنظيم الإرهابي أنها أصبحت قادرة على مهاجمة الدولة التونسية فاستعدت في مارس 2016 لاحتلال مدينة بن قردان وكانت هزيمتها النكراء هنالك مؤذنة ببداية أفولها على المستوى الوطني ونحن نعتقد أن ملحمة بن قردان قد أسهمت أيضا في إضعاف هذا التنظيم لا فقط على المستوى الوطني بل والإقليمي كذلك ..
يبقى أن نؤكد مرة أخرى أن نهاية «الخلافة» الداعشية لا تعني نهاية الإرهاب بل سندخل في مرحلة جديدة سماتها الأساسية تشظي التنظيم الأمّ وبروز شظايا قد تكون أكثر دموية وتطرفا من داعش ذاتها في إطار ما يعرف بعدم عذر الجاهل بجهله أي بتشريع استهداف المدنيين العزل من عوام المسلمين باعتبارهم مساندين لدولة «الطاغوت» ولجندها وهذا ما كانت تتحاشاه التنظيمات الإرهابية زمن القاعدة وداعش رغم أن هذه الأخيرة قد جعلت من استهداف المسلمين الشيعة محورا قارا في استراتيجياتها الإرهابية وما يتوقعه بعض الخبراء هو مرور بعض «الشظايا» إلى استهداف المسلمين السنة كذلك ..

نكرر مرة أخرى بان انهيار تنظيم داعش لا يعني نهاية الإرهاب السلفي الجهادي المعولم ..وانه لا ينبغي لنا في تونس أن نتراخى في محاربة هذه الآفة ولكن الانهيار الدولي لتنظيم داعش يوفر فرصة هامة لبلادنا لاختصار الطريق قصد القضاء النهائي على الارهاب ..وهذا يستدعي مقاربة متعددة يتمازج فيها الأمني مع القضائي مع الديني والفكري والاقتصادي والاجتماعي..
المطلوب اليوم هو التجفيف النهائي لمنابع الإرهاب مع القضاء على كل خلاياه المسلحة ..

لدينا مهمة ضخمة تتمثل في ربح معركة العقول والقلوب مع الفئات التي تستهدفها الدعاية الداعشية حتى نقضي بصفة نهائية على هذه الجاذبية المدمرة لبعض شبابنا .
ما نلاحظه في بلادنا هو التقدم الواضح في المعالجة الأمنية للإرهاب بدءا بالاستخبار ووصولا إلى المواجهات المسلحة ومرورا بتفكيك مختلف الشبكات المسندة للإرهاب ولكن لا نجد بالتوازي مع هذا تقدما واضحا في مختلف الأصعدة الأخرى وكل تأخير إضافي سيكون له ثمن بشري ومادي ثقيل على بلادنا ..

انهيار داعش الإرهابي في مواقعه الأساسية فرصة لاختصار الطريق .. شريطة أن نسلك هذه الطريق بالجدية اللازمة ..

المشاركة في هذا المقال