بعد وفاة الملازم أول مجدي الحجلاوي العنف صفر تسامح !!

شيء وحيد نغّص فرحة التونسيين بعيد الفطر هذه السنة.. وفاة الشاب الملازم أول مجدي الحجلاوي متأثرا بحروقه اثر تعرض السيارة التي كانت تقله رفقة زملائه إلى هجوم بالمولوتوف في بئر الحفي بسيدي بوزيد عندما كانت القوات الأمنية تسعى لإعادة الهدوء إلى أحياء

من المدينة بعد أن اشتعلت عنفا بين «عرشين» وقُتل في هذه الأحداث الغبية شاب تونسي كذلك...

كنّا في تونس نخشى في الأيام الأخيرة من شهر رمضان قيام عملية إرهابية هنا أو هناك.. ولكن يقظة كل قواتنا الأمنية والعسكرية أمنّت بلادنا من هذه الآفة للسنة الثانية على التوالي بعد أن كدنا نتعود على رمضان دام في سنوات 2013 و2014 و2015... ولم نتوصّل إلى هذه النتيجة التي أمنّت البلاد والعباد وأبعدت عنا شيئا ما صورة البلاد ذات المخاطر الإرهابية المرتفعة جدّا إلا بفضل تضحية وتفاني المغفور له الملازم أول مجدي الحجلاوي وزملائه في كل أسلاكنا المسلحة.

سوف تبين الأبحاث الأمنية والقضائية الدواعي التي دفعت جملة من الشباب التونسي إلى اقتراف هذه الجريمة النكراء... فهل نحن أمام ظاهرة تشبه «الهوليقانز» في ملاعب كرة القدم أم هو مخطط اجرامي استغل الاضطراب الأمني والاجتماعي في بئر الحفي.. ولكن أيّا يكن من أمر فنحن أمام استهداف مقصود لقوات الأمن.. وللأسف فلهذا الاستهداف سوابق عديدة تمثلت في الاعتداء على الأمنيين ومقراتهم ومعداتهم.. وهذه الاعتداءات تعدّ بالآلاف (6500 حسب احصاء أمني) خلال هذه السنوات الست الأخيرة... وهذه المرة حصل المحظور فتجاوزنا الخسائر المادية والجروح إلى موت شاب من خيرة شباب بلادنا..

صحيح أننا في كل حادثة أمام معطيات وظروف ميدانية مختلفة وأن كل هذه الاعتداءات لا تنتمي لنفس الصنف ولكن لا بدّ من الاقرار بوجود تقصير فظيع من قبل كل القوى الحية في المجتمع التونسي من أحزاب ومنظمات وجمعيات وإعلام ونشطاء المجتمع المدني لعدم التصدي القوي لهذه الانحرافات منذ بداياتها وأحيانا للتقليل منها أو لايجاد بعض التفهم لها باعتبارها مندرجة ضمن حركات احتجاجية لها نوع من المشروعية رغم طابعها العنيف...

لا نقول بأن هذا النوع من التساهل هو الذي يفسر ما حدث في بئر الحفي.. ولكن نقول بأننا قصّرنا كثيرا في فهم أسباب هذا العنف وفي التنديد القوي به ونخص بالذكر هنا الأحزاب والجمعيات والنشطاء الذين يعتبرون أنفسهم قريبين جدّا من الحركات الاحتجاجية والذين عادة ما ينددون بكل استعمال مفرط للقوة من قبل القوات الأمنية ولكنهم ربّما لا ينددون بنفس القوة بالاحتجاجات العنيفة أو استهداف المقرات والمعدات الأمنية...

لا شكّ أنه من دور ومن واجب المجتمع المدني التأكيد على وجوب احترام القوات الأمنية للضوابط القانونية والحقوقية لممارسة نشاطهم المهني خاصة في مناطق التماس المباشرة مع المواطنين كتفريق المظاهرات والاجتماعات وظروف الايقاف والاستجواب ولكن من مهمتنا جميعا التنديد بكل مظاهر العنف الفردي والجماعي وذلك أيّا كانت دوافعها... اذ ينبغي أن يفهم الجميع أن العنف جريمة وذلك أيّا كانت الدواعي والأهداف والغايات وأنه لا بدّ من معاقبة هذه الجريمة منذ ظهورها الأول عند الافراد والجماعات.. لأن التغاضي عنها قد يوهم أصحابها بأن ممارسة العنف مسألة عادية لا تعرض صاحبها للمساءلة القانونية...

قد يعتقد بعضهم أن الحلّ هو في ايجاد اطار قانوني يجرّم الاعتداء على الأمنيين ومقراتهم ومعداتهم ويشدد العقوبة بالنسبة لكل احتجاج عنيف كما سعت إلى ذلك حكومة الحبيب الصيد منذ أسابيعها الأولى..
بالامكان أن نناقش كل هذا ولكن مع الحرص دوما على تناسق منظومتنا القانونية مع مبادئ حقوق الانسان ومع التوازن الضروري كذلك بين الجريمة والعقاب...

ولكن الاشكال الأكبر ليس في تشديد العقوبة على كل من يستهدف مقرا أمنيا... الاشكال الأكبر في تونس هو في تطبيق العقوبات الحالية على المعتدين.. أي ألا يمر أي اعتداء عنيف مهما كان حجمه دون ردّ قضائي... فالمسألة لا تكمن في تشديد العقوبة في نص القانون بل في تطبيق القانون ذاته وفي عدم التساهل مع أي تجاوز عنيف فرديا كان أو جماعيا..
كم فتح من بحث تحقيقي في اعتداء عنيف على المقرات الأمنية؟ وكم من بحث وصل أمام أنظار القضاء؟
هذه هي حقيقتنا اليوم: التغاضي عن مظاهر العنف ظنا منا بذلك بأننا نضمن السلم الأهلية...

ينبغي أن يكون شعار تونس: «لا تسامح مع العنف مطلقا»، من العنف داخل العائلة إلى العنف في الشارع إلى الاحتجاجات العنيفة... كل ممارسة عنيفة تستوجب ضرورة ردّا قضائيا حتى لا يعتقد أصحابها أنهم لم يقترفوا أي شيء وأن العنف معطى طبيعي علينا جميعا التأقلم معه..

فالوفاء لدم فقيد تونس الملازم أول مجدي الحجلاوي لا يكمن في خطابات حماسية وحلول قصووية.. الوفاء للفقيد الشهيد هو في عدم تسامحنا جميعا مع كل عنف مهما كان بسيطا وأن نضع الامكانيات لكي يُعاقب كل مقترف لفعل عنيف.. فالسلم الأهلية وضمان الحريات الفردية والعامة لن تكون إلا بفضل صرامة شاملة ضدّ العنف منذ بواكيره الأولى...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115