هل تكون نجاحات يوسف الشاهد سببا في إضعافه؟

مهما يكن حكم المرء على سياسات وأسلوب رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلا أنه لابدّ من الإقرار بأن صاحب القصبة بصدد تسجيل النقاط وأنه رغم بعض التذبذب في الأداء فلقد تمكن خلال الأشهر القليلة لحكمه من الخروج من وضعيات صعبة ومن وضع نفسه في سياق ملء كرسي رئاسة الحكومة

لا كما اتهم في البداية بكونه منسقا للعمل الحكومي ليس إلا..

جلّ المراقبين المحليين والدوليين بوغتوا بالحملة التي شنتها حكومة يوسف الشاهد على الفساد وبالأشكال التي تم استعمالها وبالجرأة والمجازفة التي رافقتها وبتوقيتها الخاص الذي اخرج الحكومة من وضعية حرجة للغاية عندما طال اعتصام الكامور وأعطى صورة عن تردد الحكومة في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية..

واللافت للنظر أيضا المقبولية الدولية ليوسف الشاهد إذ نجح خلال الزيارات التي أداها خارج البلاد في تمثيل جيد لتونس ولشبابها وللقيم الأساسية التي قامت عليها ثورتها وإن ظل ذلك على مستوى الخطاب ..ولكن الخطاب مهم في مثل هذه الحالات..ويمكن أن نحسب في خانة نجاحات الشاهد ما حصل مؤخرا في زيارته للمغرب الشقيق حيث رفض الإمضاء على نص بيان مشترك لتضمنه فقرة تقول بتأييد تونس المغرب في بسط سيادتها على الصحراء الغربية..ورفض الشاهد جاء ليؤكد أن الأخوة والعلاقات الديبلوماسية الجيّدة لا تعني الإتباع ولا تعني كذلك قبول كل شيء كما حصل ذلك عندما لم تحرك ديبلوماسيتنا شعرة واحدة عندما تم تصنيف حزب الله ضمن التنظيمات الإرهابية..
فالمسالة في هاتين القضيتين هي نفسها : تونس دولة ذات سيادة وهي لا تمضي على نصوص لم تستشر فيها من قبل ولم تبد فيها موقفها..
لقد اثبت يوسف الشاهد في المغرب الأقصى سرعة بديهيته أنه مدرك تمام الإدراك ما معنى أن يكون رئيسا لحكومة تونس زمن الانتقال الديمقراطي..

ومن نجاحات حكومة الشاهد أيضا تحقيق نسبة نموّ بلغت %2.1 في الثلاثي الأول لهذه السنة بعد أن كانت في حدود %1 طيلة السنتين الفارطتين..وبعض الفاعلين الاقتصاديين يتوقع أن تكون هذه النسبة أرفع من ذلك في الثلاثي الثاني بما يؤمن بصفة شبه نهائية تحقيق معدل سنوي للنمو يقترب كثيرا من فرضية الحكومة (%2.5).

ويمكن أن نضيف لسلسلة النجاحات نأي يوسف الشاهد بنفسه عن صراعات الأجنحة داخل حزبه بعد أن كان قريبا من ترؤس هيئته السياسية..
ابتعاد صاحب القصبة عن المسلسلات الهزلية الدرامية للبحيرة (مقر القيادة المركزية لنداء تونس) جنّبه صعوبات شتى كادت تعصف به وبحكومته لو كان لديه اختيار ثان..

ويمكن أن نسجل في خانة الايجابيات هذه تواصل النجاحات الأمنية والعسكرية في محاربة الإرهاب وتامين البلاد من هذه المخاطر المحدقة بأمنها وباقتصادها رغم ضرورة التأكيد أننا لم نتخلص بعد من هذه الآفة وان هذه النجاحات تعود بالأساس للمؤسستين الأمنية والعسكرية ولتضحية كل أسلاكنا المسلحة ولكن كل هذا لا يمنع من ملاحظة خلو بلادنا منذ حوالي السنة ونصف السنة من العمليات الإرهابية النوعية ..فحتى الهجوم الإرهابي على بن قردان في مارس 2016 قد تحول بسرعة إلى نجاح امني وضربة قاصمة لهذه المجموعات الإجرامية..

ولكن المفارقة في تونس هي أن هذه النجاحات – على نسبيتها- قد أسهمت في نوع من «إضعاف» سياسي ليوسف الشاهد وفي تفكير بعض «المطابخ» السياسية في ضرورة التخلي عن صاحب القصبة الحالي..

التفكير في ضرورة التخلي عن يوسف الشاهد بدأ في قيادة حزبه الحالي منذ ثلاثة اشهر تقريبا ويمكن ان نلخص جملة الانتقادات الندائية في قولة تونسية : يوسف الشاهد «مايسمعش الكلام» و«ما يشاورش» أي انه قد خرج عن العهد غير المكتوب والذي بموجبه عين رئيسا للحكومة: الانضباط التام لحزب النداء ولابن صاحب «الباتيندة» وألا يسعى للخروج عن هذه الوصاية الحزبية كما سعى إلى ذلك سلفه الحبيب الصيد في أواخر فترة حكمه..

ولكن «ذنب» يوسف الشاهد انه فعل أكثر من ذلك بكثير ..إذ أحاط نفسه بفريق مضيق لا ينتمي للنداء بل ويجافي جماعة حزب نجل الرئيس ..والرأي عند أهل البحيرة أن الشاهد لم يفعل ذلك إلاّ لانه يفكر بصفة جدية في الانتصاب للحساب الخاص وانه ينوي البناء على النجاحات النسبية لحكومته ليحولها إلى مكاسب سياسية قد يستعملها غدا في المواعيد الانتخابية الحاسمة (الرئاسية مثلا) دون الرجوع إلى قيادة حزبه ودون طلب تزكيتها..

وهكذا فهمت الحملة على الفساد عند جماعة حزب نجل الرئيس كحلقة ثانية في الاستقلال عن نداء تونس بل وللإجهاز عليه بتوريط بعض قياداته في قضايا فساد خاصة وان الحملة بدأت بشفيق جراية وهو الصديق المقرب والمدلل من قبل عدة قيادات ندائية ومن الوافدين الجدد أيضا.بل فكرة تعزيز النداء بالانتداب في ما تبقى من الفريق «ب» لنظام بن علي هي فكرة شفيق جراية ذاته كما تم إعلان ذلك على الهواء مباشرة ..
ومن هنا تحركت الآلة الندائية حول حافظ قائد السبسي لتوفير الدعم السياسي المطلوب للإطاحة بيوسف الشاهد..

ويبدو انه قد حصل يقين عند «الأدمغة» الندائية بان حركة النهضة وخاصة رئيسها راشد الغنوشي لن يمانع في الاستجابة لطلب النداء إن كان هذا هو الذي يريده النجل فعلا ومع موافقة والده على ذلك بالطبع..
فالنهضة – رغم بعض التململ داخلها – لن تقف حجر عثرة في وجه هذا الطلب الندائي متى كان ملحا ومدعوما بصفة واضحة من رئيس الجمهورية..

ولكن المعادلة السياسية قد تعقدت كثيرا مع بداية الحملة على الفساد فلا احد يعلم متى ستتوقف وعند أي حدّ وهل ستسلم منها بعض قيادات نداء تونس أم لا ؟ فالعمل على إقالة يوسف الشاهد اليوم سيفهم على انه تحالف الخائفين من حملة محاربة الفساد وستكون ولاشك الضربة القاضية لكامل منظومة الحكم المنبثقة عن انتخابات 2014..

فالحملة على الفساد قد حصّنت كثيرا دفاعات يوسف الشاهد وقد يلجأ خصومه داخل الحزب وخارجه إلى إضعافه بطرق غير مباشرة عبر استهداف حلقة المقربين من صاحب القصبة..أي ان إستراتيجية الإطاحة بالشاهد قد تتجلى على مراحل : البدء بالمحيط المقرب ثم استدراجه إلى أخطاء جسيمة قصد الإجهاز عليه بواسطتها.. ولكن تتطلب هذه الإستراتيجية أن تحافظ القيادة الحالية للنداء على تناسق أدنى لكتلتها البرلمانية وهذا ليس مضمونا بالمرة بل من المتوقع أن تتواصل التصدعات داخلها..كما أن القيادة الحالية للنداء مقدمة على رهان حيوي بالنسبة لها وهو الانتخابات البلدية القادمة حيث أن تحقيق نتائج مقبولة فيها ( ما لا يقل عن ربع الأصوات مع الحرص على المحافظة على المرتبة الأولى) هو شرط ضروري لمواصلة مشوارها السياسي ..
الحرب مفتوحة بين رئيس الحكومة وحزب نجل الرئيس..ولكنها حرب شبيهة بالحروب اللامتوازية..فجماعة حافظ قائد السبسي سيوجهون فيها كل الضربات بما في ذلك تلك التي تكون تحت «السنتورة» فيما يضطر فريق يوسف الشاهد إلى الصمت والى توخي طرق

دفاع المشاة زمن روما أي إحكام وضع التروس وتراصّها بشكل يمنع كل النبال والسهام من النيل من الحكومة ثم التقدم في صمت والتعويل على هلع وفزع الخصم..
سنكون هذه الصائفة أمام حرب مواقع ومناوشات يكون الرقص فيها على وتيرة تقدم الحملة على الفساد..
حرب على نمط الحروب القبلية العربية القديمة تقوم على الكرّ والفرّ ..الهدف فيها ليس إفناء الخصم بالضرورة بل وضع حدّ لطموحاته القادمة ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115