صدر يوم أمس على موقع وزارة التربية الإصدار السنوي لكتاب «الإحصاء المدرسي» للسنة الدراسية 2016/ 2017.
وهذه الوثيقة التي تحتوي على 242 صفحة تعتبر أهم مرجع إحصائي للمدرسة التونسية من السنة التحضيرية إلى الباكالوريا وهي تضم كل الأرقام والإحصائيات الممكنة حول وضع المدرسة سواء تعلق الأمر بالتلاميذ أو المربين أو الإطار التربوي أو المباني والمنشآت والأقسام أو إحصائيات نجاح ورسوب وترسب التلاميذ من السنة الأولى ابتدائي إلى السنة الرابعة من التعليم الثانوي .. من جملة هذه الإحصائيات نريد أن نقف عند أرقام ذات دلالة جوهرية لوضعية مدرستنا العمومية اليوم وتتعلق بالتقدم المذهل للتعليم الخاص في المدرسة الابتدائية بما يؤثر على التراجع المطرد لثقة الأولياء في التعليم الابتدائي العمومي ..
نود التأكيد بأننا نحصر اهتمامنا على التعليم الابتدائي فقط لان وضع التعليم الإعدادي والثانوي مختلف بصفة جوهرية إذ لم يتمكن بعد التعليم الخاص ككل من احتلال صورة وموقع متميزين رغم وجود بعض المؤسسات ذات الجودة المرتفعة ولكنها تبقى إلى الآن الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ..إذ مازال التعليم الإعدادي والثانوي الخاص في أغلبية مؤسساته الإطار الذي يأوي الفشل في المدرسة العمومية ..ولكن التعليم الابتدائي على العكس من ذلك تماما إذ الداعي الأول للعائلة التونسية فيه هو ضمان مستوى أفضل تربويا واداريا لأبنائهم ..
اللافت للنظر هو التطور الكمي الهائل للتعليم الابتدائي الخاص خلال هذه السنوات الأخيرة ..
لو نأخذ السنة المدرسية 2009 /2010 كسنة مرجعية لوجدنا أن عدد التلاميذ بالمدرسة العمومية ينمو خلال هذه السنوات السبع الأخيرة بمعدل سنوي بـ%1.4 بينما تصعد هذه النسبة إلى %18 بالنسبة للتعليم الخاص أي أن عدد التلاميذ في المدارس الابتدائية العمومية ظلّ تقريبا هو نفسه خلال السنوات السبع الماضية بينما تضاعف العدد في المدارس الخاصة بأكثر من ثلاث مرات لينتقل من 21.509 سنة 2010/2009 إلى 69.680 خلال هذه السنة الدراسية ..
صحيح أن نسبة التلاميذ الذين يؤمون المدارس الخاصة في التعليم الابتدائي هي الآن في حدود %6 فقط ولكن هذه النسبة في تصاعد مستمر ..والدليل على ذلك أنها بلغت بالنسبة لمجموع الوافدين الجدد على السنة أولى ابتدائي %8.5 عند المدارس الخاصة ..
المدارس الابتدائية الخاصة (وعددها السنة 401) موزعة على كل ولايات الجمهورية ولكن بنسب متفاوتة جدا ..فلا نجد الا مدرسة واحدة خاصة بولاية تطاوين و4 بالكاف وسليانة وزغوان واثنتين بتوزر..أما في تونس فهي ثمانون و47 أريانة و39 ببنعروس..
ففي ولايات تونس وبن عروس وأريانة وسوسة والمنستير نجد أكثر من نصف تلاميذ كل المدارس الابتدائية الخاصة (37.142 من أصل إجمالي وطني 69.680) وتلاميذ المدارس الابتدائية الخاصة في هذه الولايات الخمس يمثلون أكثر من عشر مجموع التلاميذ في الابتدائي بالنسبة لهذه الولايات (%10.8 تحديدا)..
نكتفي ببعض هذه المعطيات الإحصائية الكمية لنؤكد على معطى ما فتئ يتعاظم في تونس خلال هذه السنوات الأخيرة وهو هجرة أبناء الطبقات الوسطى العليا والميسورة إلى المدرسة الابتدائية الخاصة لا فقط لترتيبات لوجستية ملائمة للأولياء ولكن كذلك لغياب الثقة في قدرة المدرسة الابتدائية العمومية على تقديم التكوين الأصلي الأساسي في اللغات بالخصوص وكذلك في الرياضيات والعلوم ..
والإشكال هنا ليس في المنافسة التي يحدثها القطاع الخاص للمدرسة العمومية ..الإشكال هو في تنامي تعليم بسرعات متفاوتة بما يقضي على المبدإ المؤسس لكل المجتمعات الحديثة. التساوي في الفرص بفضل المدرسة العصرية ..
ينبغي الإقرار بأن اللجوء المتزايد للتعليم الخاص يجد تفسيره في الصورة السلبية للمدرسة العمومية والتي ازدادت سوءا على سوء بعد الثورة إذ أضحت قرينة الاحتجاج الدائم والاضرابات المضرة أيما إضرار بالمدرسة العمومية ..
لاباس من التنافس والتكامل بين القطاعين العام والخاص ولكن الخطر كل الخطر أن تترك السلط المعنية المدرسة العمومية تموت بموتها البطيء، دون تدخل عاجل وجدي لإنقاذها..