في حدود التوافق الندائي النهضوي: حساب المصالح وحسابات الزبائن

•تموجات النهضة ما بعد «الشيخ» المؤسس
اجتمــاع مجلـس الشـورى لحركــة النهضة المنعقد يوم الأحد الفارط جاء ليوضح حدود التوافق الندائــي النهضـوي عندما رفض المجلس ،رغم

إصرار رئيس الحركة، على مشروع قانون المصالحة في «صيغته الحالية» وهو المشروع الأم لرئيس الجمهورية والذي كان يعوّل كثيرا على حليفه «الشيخ» الأصغر لضمان أغلبية نيابية مريحة لمبادرته..ولكن بعد يوم الأحد عادت عقارب الساعة إلى الوراء وكشفت بذلك عن حقيقة الحسابات الظاهرة والخفية للتحالف النهضوي الندائي..

لو قمنا ببعض «الحفريات» لاكتشفنا بيسر الخلفيات التي تأسست عليها فكرة مبادرة مشروع قانون المصالحة في رئاسة الجمهورية..

تحدثنا في مناسبة سابقة عن مشروع قانون المصالحة كخطة بديلة لتمويل الاستثمار في تونس بعد أن فشلت الخطة الأصلية والمتمثلة في تدفق الأموال الخليجية (الإماراتية بالخصوص ) والغربية بمجرد انتصار الباجي قائد السبسي والنداء في الانتخابات العامة في خريف 2014..

ومن هنا كان الاعتقاد بأن المصالحة الاقتصادية ستوفر للدولة التمويلات التي كانت تنتظرها من أصدقاء المنتصرين الجدد..

ولكن بالإضافة إلى هذا هنالك عنصر أعمق تتأسس عليه فكرة المصالحة الاقتصادية وهو أنّ « الروافد» وإن كانت ضرورية لانتصار النداء (روافد اليسار والنقابة والتجمع والمستقلين) ولكن بقاءه في السلطة ونجاحه فيها رهين استحواذه على كامل الشبكات الزبونية للنظام القديم..

ولكن ضرورات نتائج صندوق الاقتراع فرضت على صاحب قرطاج الجديد الإقدام على نوع آخر من المصالحة قد شرع فيها جزئيا منذ صائفة 2013 وهي التصالح أو التحالف مع غريم الأمس : الغنوشي وحركة النهضة..

وفي الحقيقة لم تنخرط حركة النهضة بصفة كلية في هذه «المصالحة» إلا لكونها أدركت أنها محتاجة هي الأخرى إلى مظلة تحميها من غوائل التحولات الوطنية والإقليمية والدولية ..فالإسلام السياسي سرعان ما فقد هالته خاصة عند القوى الغربية لأنه اثبت عجزه عندما وصل إلى الحكم في تونس ومصر عن الحد من الخطر الإرهابي السلفي الجهادي المعولم علاوة على فشل الإسلام السياسي في هذين البلدين في طمأنة عموم الناس في ضمان الحدّ الأدنى من الاستقرار المدني والاجتماعي..

ما فهمه رئيس حركة النهضة بسرعة فائقة هو احتياج حركته إلى مظلة تقيها شر التقلبات وتسمح لها بالمرور الآمن خلال هذه السنوات العجاف..ولا وجود لمظلة أقوى من مظلة السلطة الجديدة الفائزة بالانتخابات ..

ولكن حتى لا تبقى هذه المظلة متوقفة على اتفاق شخصي بين «الشيخين» كان لابدّ من مأسستها ولذلك استغل رئيس حركة النهضة عرض مبادرة رئيس الجمهورية ليتحدث مباشرة عن «مصالحة وطنية شاملة» ويعني بها في الحقيقة الجمع بين هواجس الشيخين أي المصالحة مع شبكات المنظومة القديمة والمصالحة مع الوجود النهضوي بأسره : إعادة الاعتبار لمناضلي النهضة عبر مسار

العدالة الانتقالية وتوسيع دائرة الانتفاع بالعفو التشريعي العام لأكثر من ألف نهضوي لم يقدموا ملفاتهم في الآجال القانونية وخاصة شمل حكم الترويكا بمفعول مصالحة ضمنية تمنع المتابعة القضائية لما اعتبره بعضهم جرائم قد ارتكبت في حق أفراد أو في حق البلاد..

والحساب النهضوي كان أن يتم استغلال حاجة السلطة الجديدة لإرضاء زبائنها الحقيقيين أو المفترضين لفرض التصور النهضوي للمصالحة والمقابل السياسي لذلك هو دعم المبادرة الرئاسية..

والمطلعون على بعض كواليس التفاوض النهضوي مع رئاسة الجمهورية حول قانون المصالحة يقولون بأن مطالب الحركة الإسلامية واضحة :

التمديد بسنة لهيئة الحقيقة والكرامة وإعطاؤها كل الإمكانيات المادية والمناخ السياسي للقيام بمهمة جبر الضرر المادي والمعنوي للضحايا

فتح باب التسجيل من جديد للتمتع بالعفو التشريعي العام لأكثر من ألف نهضوي

غلق ملف احتمال المتابعة القضائية لبعض كبار مسؤولي الحكم زمن الترويكا..

ولكن يبدو أن الضمانات التي قدمت لحركة النهضة لم تكن كافية ولم تبد الرئاسة حماسة خاصة لتعديل مبادرتها في اتجاه رغبات النهضويين..

ورغم ذلك فقد سعى زعيم النهضة جاهدا لإقناع قيادات حزبه بالانخراط في المبادرة الرئاسية كشرط أوّلي لتحقيق «المصالحة الشاملة» ولكن عددا هاما من هذه القيادات بدؤوا يشكون في صلابة المظلة الرئاسية الندائية فأرادوا فرض نسق التفاوض مع حليفهم الندائي حتى يضمنوا عدم التلاعب بمطالبهم ..

والرسالة الأهم في اجتماع مجلس الشورى الأخير أن قيادات نهضوية هامة بصدد الاستعداد لما بعد «التوافق» بين «الشيخين» ولتحسين شروط الاستظلال بالنداء ..فهم لم يعودوا يثقون كثيرا في صلابة هذه المظلة ولا في قدرتها على لعب هذا الدور الحامي لمدة طويلة ..هذه الشكوك تتعلق بصفة شبه آلية بسياسة الحركة في هذا المجال التي فرضها راشد الغنوشي رغم الاعتراضات الكبيرة

فالقيادات الخمسينية النهضوية والتي انتفض بعضها ضدّ «الشيخ» في المؤتمر الأخير للحركة هي بصدد التفكير في مستقبل النهضة وفي خطها السياسي وتحالفاتها لفترة ما بعد الغنوشي..

والإشكال بالنسبة للحركة الإسلامية ليس في غياب «الخليفة» بل في كثرتهم وعدم توحدهم على قلب رجل واحد..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115