يزور وفده تونس خلال الأيام القادمة تونس تعيش على وقع صندوق النقد الدولي !

• الأمل في تحرير القسطين الثاني والثالث من القرض: 1600 مليون دينار


لاشيء ، في البلاد لمن يتأمل فيها من بعد يشير إلى أنّنا سنجتاز امتحانا عسيرا في الأيام القادمة ..امتحان، كما يقول المثل ، يكرم فيه المرء أو يهان ..فمن يتابع الحوار السياسي القائم اليوم في البلاد ومحاور الاهتمام الرئيسية فيه لا يكاد يجد أثرا يذكر لهذا الامتحان والحال أن جزءا هاما من المستقبل المنظور للبلاد ، مرتبط به.. نحن نتحدث بطبيعة الحال عن زيارة وفد صندوق النقد الدولي المرتقبة خلال الأيام القليلة القادمة ..والأهمية البالغة لهذه الزيارة تكمن في كونها الأولى بعد زيارة نوفمبر 2016 والتي نتج عنها حجب دفع القسط الثاني من القرض الذي تم الاتفاق بشأنه مع الدولة التونسية في ربيع 2016 مع حكومة الحبيب الصيد والذي تبلغ قيمته الجملية حوالي 6 مليارات دينار .. كان المفروض أن يتم صرف القسط الثاني من هذا القرض في ديسمبر الفارط والقسط الثالث منه في شهر أفريل الحالي ويمثل هذان القسطان معا 700 مليون دولار أي حوالي 1.6 مليار دينار، ولو كان تقرير وفد صندوق النقد سلبيا فستعرف البلاد ضغوطا لا تحتمل على المالية العمومية ..

والإشكال ، كما كرّرناه أكثر من مرة في هذا الركن ، لا يكمن فقط في إمساك صندوق النقد عن صرف قسطي القرض هذين بل في تأثير هذا الإمساك على كل الجهات والهيئات المانحة والمستثمرين في تونس ..نحن لا نتحدث عن فرضية بل عن واقع ملموس إذ امسك الاتحاد الأوروبي عن صرف بقية المبالغ المرصودة لتونس بعنوان سنة 2016 والمقدرة بـ300 مليون دينار من بينها 50 مليون كهبة .ومثل هذا يصدق على جلّ الهيئات والجهات التي التزمت بتمويل الاقتصاد التونسي في مؤتمر الاستثمار 2020..

فتقرير سلبي لبعثة صندوق النقد الدولي يعني شبه توقف الدعم المالي الأجنبي لتونس واضطرار الدولة التونسية للإيفاء بكل تعهداتها إلى اللجوء إلى الاقتراض على السوق المالية العالمية بفوائض باهظة تجعل من خدمة الدين (أي ما يدفع سنويا من أصل الدين ومن فوائده) تبلغ مستويات قياسية قد تتجاوز في سنة 2019 ثمانية مليار دينار أي ربع الميزانية الحالية..

الصورة ليست قاتمة بالكامل ولكن لابدّ من الإقرار بأنّ الثقة قد اهتزت بين الدولة التونسية وبين صندوق النقد الدولي ورغم أن الحوار لم ينقطع البتة بين الطرفين إلا أن صندوق النقد أصبح أكثر صرامة في التعامل مع تونس وأكثر إصرارا على إيفاء الطرف التونسي بكل تعهداته بصفة عملية وواضحة وانه لم يعد يقنع بالوعود وبالتسويف الذي عومل به خلال السنوات الأخيرة..

ماذا ينتظر صندوق النقد الدولي حتى يوافق على صرف القسطين الثاني والثالث من القرض ؟ ما يريده صندوق النقد الدولي بوضوح هو أن يلمس على ارض الواقع تقدما في انجاز الإصلاحات الموعود بها على مستوى التحكم في كتلة الأجور وما يتبعها من إصلاح هيكلي للإدارة التونسية والحدّ من النزيف القاتل للصناديق الاجتماعية وخوصصة المؤسسات العمومية الإستراتيجية بما فيها البنوك العمومية (هنالك حديث عن المحافظة على بنك عمومي واحد من أصل ثلاثة) ..

ولكن الحكومة التونسية ليست خالية الوفاض ولديها مخزون تفاوضي لا يستهان به..

أول هذه العناصر سياسي : إن عدم صرف القسطين الثاني والثالث وما ينجر عن ذلك يعني بوضوح خنق الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي وهذه مسؤولية سياسية كبيرة لن يقبل عليها صندوق النقد الدولي وبقية الجهات الغربية المانحة إلا في حالة استحالة آيّ إصلاح في تونس..

العنصر الثاني اقتصادي تقني إذ عملت الحكومة خلال هذه الأسابيع الأخيرة على تحسين جملة من المؤشرات التي يشتغل عليه فريق صندوق النقد الدولي بما يبعد فرضية تقرير سلبي لوفد صندوق النقد..

العنصر الثالث ولعله الأهم هو مراهنة حكومة الشاهد على استرجاع نسق نموّ يعادل %2.5 لهذه السنة والمعطيات الأولية لهذا الثلاثي الأول من سنة 2017 تسمح بتوقع كهذا رغم الصعوبات الهيكلية والظرفية التي تحيط باقتصادنا باعتبارنا لسنا في مأمن من ضربة إرهابية وان عناصر النمو الموجودة مازالت هشة ..

الحكومة تعول على تطور لافت للسياحة وعلى إنتاج الفسفاط ومشتقاته ..وهي تعول على نجاح مبادراتها الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في عقد الكرامة (المؤمل هو خلق 25000 موطن شغل لحاملي الشهادات العليا ) والقروض الصغيرة والسكن الأول للطبقة الوسطى وتمليك المواطنين المتواجدين على أراضي على ملك الدولة لعقاراتهم بعد التثبت من عدم الاستيلاء عليها بغير وجه حق وهذا قد يهم بعض مئات الآلاف من المواطنين..

ومع هذا تشتغل الحكومة على وضع رزنامة إصلاحاتها الأساسية وخاصة في ملفات أربعة : الوظيفة العمومية والصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية ومنظومة الدعم..والإشكال هنا هو في التناسق والانسجام بين مختلف هذه الإصلاحات وان تتم بتوافق أدنى مع الأطراف الاجتماعية.. وهذه مسألة غير مضمونة كما يعلم الجميع..

والطريف هنا هو التطابق العفوي للرزنامتين : زيارة وفد الصندوق وتاريخ 15 أفريل الذي وضعه اتحاد الشغل كأجل أقصى لإيجاد «بدائل» عن وزير التربية ناجي جلول ..وسوف نرى كيف ستكون العلاقة بين الحكومة وشريكها النقابي بعد فترة «الإمهال» هذه..

والطريف كذلك أن الحكومة قد استفادت من أخطائها التفاوضية مع اتحاد الشغل لتطبق طريقة جديدة مع .. صندوق النقد الدولي.. أي الابتعاد نهائيا عن تعدد وسائط التفاوض ومركزتها كلّها في رئاسة الحكومة.. فلم يعد بإمكان بعثة الصندوق التحول من وزارة إلى أخرى بل ستكون رئاسة الحكومة هي المفاوض الوحيد للبعثة.. ولسنا ندري هل ستعمم الحكومة هذه الطريقة في التفاوض الاجتماعي مع اتحاد الشغل أي مركزة التفاوض بدل قطاعيته الحالية ..

الأيام القادمة ستكون هامة جدّا للبلاد ولاسيما للتوازنات المالية للدولة.. فإما استرجاع ثقة الجهات المالية في تونس – ولهذا ثمن اجتماعي ولاشك – أو الدخول في مرحلة مجهولة نعلم مداخلها ولكن لا احد قادر على التنبؤ بمآلاتها حتى القريبة منها ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115