ولن نحيد عن مبادئنا قيد أنملة

كثير من المناضلات قررن مقاطعة يوم 8 مارس، والسبب واضح: فالمرأة تتخبّط ولا مستجيب، والقضايا تتراكم وتتعقّد ولا نجد علامة إيجابية تدفعنا إلى الحركة.. ورغم وجاهة الموقف اخترت أن أتكلّم في هذا اليوم بما أنّه يوم يستغلّ للاحتفال والتنافس على التعبير عن حبّ النساء..

وليته كلاما يبلّغ مدى الألم الذي تعانيه المرأة على وجه العموم..

وتساءلت، هل أتحدّث عن المرأة العربية ؟ لكن مشاغل النساء في البلدان العربية متفاوتة بين التي تنادي بالمساواة التامة مع الرجل، والنظر إليها باعتبارها إنسانا بما تحمله هذه العبارة من حقوق وواجبات، وبين المرأة التي ما زالت تبحث عن سبيل يكفل لها حقّا قانونيا يعترف بإنسانيتها في مجال الأحوال الشخصية على الأقلّ.. وبين المرأة التي ما يزال مجتمعها يرى فيها « حرمة» لا غير، ووعاء يترعرع فيه نسل كما تصوّرته مؤسستهم الفقهية.. وهذا الصنف من النساء يعيش انغلاقا ، ويطبّق عليه من الإقصاء ألوان.. وكم أشفق عليهنّ لأنّ قلّة منهنّ يتخبّطن في دوامة ذكورية فرضت نواميس نسبوها إلى الله واعتبر الخروج عنها مروقا عن الدين وتعبيرا من تعبيرات الكفر..

تخيّرت إذن أن أتحدّث عن نفسي، أنا المرأة التونسية، وأن لا تعتبروا هذا الحديث مناسبتيّا، فكم عبّرت عن هذه الهواجس كلّما أحسست بسحابة قاتمة ستخيّم علينا.

لست بحاجة إلى التذكير بإنجازات المرأة بعد الثورة، ولست بحاجة إلى تكرار القول بأنّه لولا المرأة التونسية لكان لتونس شكل آخر، وكم شكرنا السياسيون والرجال على ذلك.. لكن عشنا هذه السنة أوضاعا جديدة امتُحنت فيها المرأة، ويمكن تلخيصها في محنتين أساسيتين: محنة العنف الذي سلّط على فئة من النساء أدرك بعض الإسلامويين خطرهنّ على برامجهم الاجتماعية، فاختاروا نهج محاربتهنّ دون غيرهنّ بما أوتوا من وسائل، أملا في الحدّ من تأثير خطابهنّ في المجتمع. فكان فشلهم ذريعا.

أمّا المحنة الثانية فتكمن في انتفاضة هؤلاء التقليديين بل وحتى من يعتبر نفسه حداثيا عندما طالبنا بالمساواة في المواريث. فكانت النزعة إلى التكفير ، وبقي أعضاء مجلس النواب بين أخذ وردّ، وساءلوا كلّ من اعتُبِر حاملا لشهادة رضا حتى يدلي برأيه في المسألة، ورغم جهدهم في إسكاتنا نحن النساء أبلغنا مقالتنا وقدمنا الدليل على بطلان مقاربتهم الفقهية، ونجحنا في إجبار المجتمع على أن ينصت إلى حججنا بعدما كانت الأبواب موصودة في وجوهنا.

واليوم، تأتينا بشرى من مجلس النواب، وكنّا نظنّ أنّها إقرار بتعديل الفصول المتعلّقة بالمواريث.. ولكن، هيهات: إنّها بشرى للإسلاميين وليست لصالح المجتمع المدني.. بشرى يزفّها أعضاء حزب النهضة في أنّهم وفِّقوا في إقناع رئيس الحكومة بالتمديد في عطلة الأمومة بأربعة أشهر.. أي بعبارتنا نحن : الإبقاء على المرأة أربعة أشهر ببيتها للعناية بالمولود، وكأنّ المولود مشكلة المرأة وليست مشكلة الرجل أيضا.

ليس لي من تعليل سوى الآتي:

هي خطوة عملاقة فعلا للعناية بالمرأة شرط ضمان دونيتها... لكن ، أين هذا القانون من مطالبنا الأساسية والمصيرية؟ نحن نريدها امرأة تساوي الرجل في الحقوق وفي الواجبات أيضا: أي امرأة واعية بمسؤوليتها باعتبارها زوجة وأمّا ومواطنة.. وسينعكس ذلك حتما على وعي الرجل بإنسانيته: ليصير رجلا واعيا بتقاسم الأدوار مع المرأة وليس ذاك الوليّ الآمر والفاعل.. لأنّ المساواة مسؤولية قبل أن تكون ميزة، وهي ترسم بنية اجتماعية تقوم أساسا على الوعي الناضج بإنسانية كلّ فرد من أفراد العائلة.. وما العناية بالأطفال سوى مسؤولية الأب والأمّ على حدّ سواء، وتجاوزنا تلك الأدوار التقليدية التي كان يعيش عليها مجتمعنا. لأنّها أدوار لم تسهم سوى في تأسيس بنية هرمية نرزح إلى اليوم تحت ثقلها.. وهي بنية تفرز كلّ يوم مشاكل تعوقنا عن التغيير.

نحن نطالب بالمساواة وهنّ يطالبن بامتيازات لصالح الولود.. وهو لعمري قانون يسعى إلى القطع مع الحدّ من الإنجاب، كيف لا وهو يشجّع كلّ من هي مخصب على البقاء بالبيت.. قانون يعود بنا رأسا إلى مشروع النهضة الذي تقدمت به مع مسوّدة دستورها في أواخر 2011.. وتؤكّد فيه على أنّ الدور الرئيسي للمرأة هو بالبيت والعناية بالأطفال...

رسالتي إلى المرأة: حذار أختاه.. فطريقنا معقّدة وطويلة.. عليك بالانتباه إلى كلّ خطوة فأنت تحاربين مشروعا يسعى جاهدا إلى إرجاعك إلى بيت الطاعة .. ولا يغرّنك من يعتبر أنّ هذا المشروع قد امحى من الأذهان.. علينا أن « نرصّ الصفوف» كما يقال، حتى نكون خطّا واحدا ومتماسكا.. كفانا عفوية في مواقفنا وعلينا أن ننتظم إلى هدف واحد وموحّد.. لأنّ رمي المنديل ليس من شيمنا.. ولأننا ندرك جميعنا أنّ ما نقوم به هو حفظ لنسلنا وحماية لبناتنا وأبنائنا أيضا.. ومع كلّ ما ذكرت أستطيع أن أقول لك: يوم 8 مارس عيد وإن استنكر نكير. فهنيئا لنا بهذا اليوم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115