الانتخابات البلدية هذه السنة: ... وبدأ العدّ التنازلي

وأخيرا صوّت النواب في اقل من نصف ساعة على كل الفصول الخلافية في مشروع قانون الانتخابات المتعلق بالبلديات والجهات..

مشروع اختلفوا حوله منذ أكثر من نصف سنة.. ومحصلة كل هذه التوافقات هي إقرار حق التصويت في الانتخابات المحلية دون سواها للأمنيين والعسكريين المباشرين وعتبة بـ %3 أي أن القائمة التي لا تحصل على %3 من الأصوات لا يتم احتسابها في توزيع المقاعد ولا تحظى كذلك بالدعم المالي العمومي
..
وهكذا التزم مجلس نواب الشعب بما تعهد به رئيسه السيد محمد الناصر: التصويت على مشروع قانون الانتخابات قبل موفى شهر جانفي 2017 بما يسمح بإجراء هذه الانتخابات قبل موفى هذه السنة والأرجح أن يكون موعدها ما بين النصف الثاني من شهر أكتوبر والنصف الأول من شهر نوفمبر القادمين..
تسعة أشهر تفصلنا إذن عن يوم الاقتراع..

أي أن الاستعداد الجدي لهذا الموعد الهام سينطلق منذ اليوم.. مع العلم بان بعض الأحزاب قد بدأت في الاستعداد وحتى في إعداد قائمات أولية..

ولكن اليوم بدأت الحسابات الجدّية.. فالصعوبات الحافة بالانتخابات البلدية لا تضاهيها صعوبات في تونس.. فنحن لدينا الآن 350 بلدية وفي كل واحدة منها ما بين 12 و 60 مستشارا.. أي نفس العدد بالنسبة لكل قائمة مترشحة وهنالك شروط محددة لاختيار المترشحين من أهمها ضرورة أن يكونوا مرسمين بنفس الدائرة وهذا لوحده قد يحدّ بصفة جدية من عدد القائمات بالإضافة إلى شرط التناصف و«كوتا» للشباب ولأصحاب الاحتياجات الخصوصية في بعض البلديات إذن إعداد قائمة واحدة للبلديات سيكون أعسر بكثير من إعداد قائمات عدة في التشريعية.. وجلّ أحزابنا غير معتادة على هذا ولا تملك هذا العدد الهائل من المستشارين المفترضين (حوالي 7000) للترشح في كل الدوائر البلدية (350)..

نضيف إلى كل هذا مسألة هامة وهي الجمع أو الفصل بين الانتخابات البلدية والانتخابات الجهوية (الجهة في القانون الانتخابي هي الولاية جغرافيا) فالجمع -وهو الحلّ المنطقي - سيضاعف في صعوبات الأحزاب إذ يفرض عليها ترشيح أكثر من ألف مستشار من غير المترشحين في البلديات إن هي أرادات أن تكون حاضرة في الدوائر الجهوية الأربع والعشرين ..

الجمع أو الفصل بين البلدية والجهوية هو قرار سياسي سوف تدعى لأخذه الأغلبية الحاكمة وفي اقرب وقت ممكن (خلال أسابيع قليلة) حتى تستعد هيئة الانتخابات وكذلك كل القائمات الحزبية والمستقلة التي تنوي الترشح..
كما أن البرلمان مدعو للمصادقة على مجلة السلطة المحلية خلال هذا السداسي الأول لسنة 2017 حتى يعلم المترشحون المفترضون لهذه الانتخابات ما لهم وما عليهم..

قلنا بان الجمع بين الانتخابات البلدية والجهوية هو المنطق الأسلم لأننا لا نعتقد بأنه من الفائدة إجراء ماراتون انتخابي : البلديات في 2017 والجهوية في 2018 والتشريعية والرئاسية في 2019.. ثم إن استكمال مؤسسات السلطة الجهوية المتضمنة في الدستور تفترض إجراء الانتخابات البلدية والجهوية معا وهي انتخابات مباشرة من قبل كل المواطنين في انتظار استكمال المستوى الثالث وهو مجالس الأقاليم الخاضعة لانتخابات غير مباشرة حيث ينتخبها فقط أعضاء المجالس البلدية والجهوية.. مع العلم بأننا لم نحدد بعد ماهي هذه الأقاليم وماهي حدودها الجغرافية وماهي كذلك صلاحياتها الاقتصادية والاجتماعية..

كل هذا يعني ان البناء المؤسساتي لم يكتمل بعد ولكن .... البداية السياسية والمؤسساتية قد أطلقت وعلى الجميع أن يسابق الريح لأن الاستعداد لهذه المواعيد ليس هينا بالمرة..

مسالة العتبة هامة جداّ هي الأخرى إذ ستحدّ من شهية ما يسمى بالقائمات الصغرى على الترشح بداية لان عدم بلوغ%3من الأصوات المصرح بها يمنعها من التمويل العمومي (العتبة المالية) وثانيا (وهذا الجديد) لان عدم حصولها على هذه النسبة يخرجها من احتساب توزيع المقاعد على القائمات الفائزة.. أي أن التنافس الفعلي في كل دائرة انتخابية سوف لن يتجاوز أربع أو خمس قائمات على الأقصى..

ورغم أنّ نظام الاقتراع للبلديات والجهات سيبقى هو هو مقارنة بنظام الاقتراع للتشريعية ولكن إقحام العتبة (%3) سيغير كثيرا من طريقة احتساب المقاعد..

لنفترض انه لدينا دائرة بلدية ، أو جهوية، بها أربعون مقعدا وانه ثمة 11 قائمة متنافسة تحصلت الأولى (قائمة أ) على %40 من الأصوات والثانية (ب) على %30 والثالثة (ج) على %10 والقائمات الثماني المتبقية تحصلت كل واحدة منها على %2.5 من الأصوات..

لو لم تكن هنالك عتبة %3 لحصلت القائمة الأولى على 16 مقعدا والثانية على 12 والثالثة على 4 وبقية القائمات الثماني كل واحدة منها ستحصل على مقعد واحد..
يعني انه لدينا ثمانية مقاعد تم توزيعها على قائمات لم تحقق نتيجة %3 ..

مع احتساب العتبة ستلغى هذه القائمات الثماني من الاحتساب وهكذا تتحصل القائمة الأولى على 20 مقعدا (بدل16) والثانية على 15 (بدل 12) والثالثة على 5 (بدل 4) أي أن العتبة ستعطي أفضلية واضحة للقائمة الأولى بالأخص وستسمح لقائمات تتحصل على حوالي %40 من الأصوات من الحصول على الأغلبية المطلقة من المقاعد..

يعني أنه سيتم تنفيل القائمات الحائزة على أكثر من 3 % من الأصوات بينما ستلغى القائمات الصغيرة بصفة نهائية..
هذه الطريقة الجديدة ستطرح تحديا ضخما على كل الأحزاب التونسية باستثناء النهضة وربما نداء تونس أو ما بقي منه (؟) ولكن كل الأحزاب الأخرى ستكون مهددة بمقصلة العتبة وهذا ما قد يدفعها إلى تركيز جهودها فقط على الدوائر التي تعتقد أنها تملك فيها وزنا انتخابيا محترما..

اليوم الصورة أصبحت واضحة إلى حدّ ما..

انتخابات بلدية (على الأقل) في موفى هذه السنة وخارطة حزبية جديدة بعدها . قد نجد فيها نفس موازين القوى الموروثة من انتخابات 2014 وقد تتغير هذه الموازين ببروز أقطاب حزبية جديدة وباندثار أخرى..
ولا يخفى على أحد بأن هذه الخارطة ستكون محددة لكل استراتيجيات البقاء في السلطة أو افتكاكها سنة 2019..
لقد بدأ العدّ التنازلي...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115