Print this page

بؤس المشهد الثقافي

بعيدا عن انتقاد فساتين الممثلات في افتتاح مهرجان قرطاج السينمائي إن كان ذلك من منظور جمالي أو أخلاقوي أو ديني ..بعيدا عن هذه الرغبة في 'سياسة 'أجساد النساء منذ 'الثورة' بدءا ببروز النقاب وصولا إلى نشاط عاريات الصدور...ما الذي يمكن استنتاجه من وراء الجموع المنتظرة

ساعات وساعات أمام قاعات السينما؟ هل هو مؤشر دال على رغبة التونسيين في متابعة السينما والإطلاع على آراء النقاد والمشاركة في صياغة رأي حول بعض العروض؟ هل هي علامة دالة على الارتقاء بالذائقة الفنية ؟ هل هي حجة على وعي التونسيين بمكانة الفنون في مسيرة البناء بل في مكافحة الإرهاب؟

قد توهمك هذه الجماعات الصبورة بأنّ القوم متلهفون على مواكبة كل جديد في عالم السينما وأنّ واقع الإبداع في بلادنا قد تحسن وأن طرق التقبل والتفاعل مع الإنتاج الفني متميزة ولكن ما إن تتأمل في سلوك أغلب المشاهدين وتعليقاتهم و'طقوسهم' في المشاهدة والحوارات الجانبية حتى تدرك أنّ الأمر لا يعدو أن يكون «قتلا للوقت' وخروجا من عالم الرتابة والملل. إن هي إلا أيام تُمكّن البعض من الخروج والقطع مع مشاغل اليومي و'نكد' الحياة وبؤس وسائل النقل وأشكال العنف المتعددة التي بات على التونسيين 'التعايش' معها في كل الأفضية.

ويلوح أنّ إقبال أغلب التونسيين على متابعة المهرجان ليس إلا بحثا عن البلسم والمسكن والنسيان أو لعله محاولة للخروج من حالة الإحباط والقلق واليأس...هو تشبث ببعض «مباهج' الحياة حتى وإن كان ذلك وقتيا ، وهو أمر لا يتوفر إلا لمن استطاعوا التحرر من منطق التأزم والتحليق في أفق أرحب...»طوابير «من المتابعين للأفلام ولكن هل يحدقون بملء العين في النصوص المرئية المعروضة عليهم؟ هل بإمكانهم تحليل الخطاب السينمائي؟ هل يتسنى لهم فك الشيفرات والرموز؟هل يملكون الأدوات التي تساعدهم على فهم اللغة السينمائية والخطاب والسيناريو وخصائص الصورة والصوت وزاوية التصوير...؟

لا انعكاس لهذه المتابعة السينمائية على الصفحات الفايسبوكية إلا باقتضاب شديد وهو أمر مفهوم فالقوم ينشغلون بالقشور(أزياء الفنانات) فينتصبون حراسا للفضيلة أو للشريعة أو متفقهين في الموضة تعوزهم المعرفة الفنية فيتسلون بالسخرية من هذه أو تلك وما أسهل أن ندين الآخر؟ أما تفكيك مضامين الأفلام ونقدها لا من منظور انطباعي بل موضوعي فذاك أمر عزيز المنال.

ينم هذا المشهد البائس عن وضع الثقافة في بلادنا فلا معاهدنا تكترث بدراسة الفنون بكل جدية ولا أساتذة المسرح والموسيقى يؤمنون بجدوى تهذيب الحواس وتنمية المواهب إلا من رحم ربك وهو أمر يثبت ما لمناهجنا التعليمية واحترامنا لعملنا من تأثير على مستقبل الإبداع في بلادنا. ولا يختلف الأمر في مؤسساتنا الجامعية التي لا تبالي بإدراج المواد الفنية في كل الاختصاصات علها بذلك تساهم في نشر ثقافة الإبداع بدل ثقافة الاستهلاك أو الاستشهاد أو الإرهاب أو التهريب والفساد.

كيف يتسنى لنا مقاومة الأمية الثقافية والمؤسسات الإعلامية تنفر من المثقفين والمبدعين وتفردهم إفراد البعير الأجرب؟ كيف يمكن لنا مقاومة الركاكة والقرف و الابتذال والبلادة الذهنية والاستحمار والتلاعب بالعقول ومأسسة الجهل والحال أن البرامج الثقافية شبه مفقودة؟ كيف يمكن لنا النهوض بالقطاعات السينمائية والمسرحية والفن التشكيلي وفنون الشارع والغرافيتي ونحن لا نمتلك عددا من النقاد المتميزين والدارسين المتخصصين؟

لا يقيّم المشهد الثقافي من خلال طوابير المنتظرين ولا أعداد المشاهدين ولا من خلال صياح المغرمات والمغرمين بهذا الفنان أو ذاك ...إنّ تضخيم الفرجة ومسرحة المتابعة وتغطية الأيام السينمائية لا يجب أن تحجب عنا الحقيقة : ثقافتنا مأزومة فمتى نفتح الملف؟

المشاركة في هذا المقال