Print this page

مشروع مجلة الصرف والتوجهات الاقتصادية للحكومة: في البحث عن التناسق مجددا

صادق مجلس الوزراء يوم الخميس 14 مارس

على مشروع مجلة الصرف الذي طال انتظاره وقد جاء في بيان رئاسة الحكومة اننا ازاء «ثورة تشريعية ونقلة تاريخية في مجال الصرف والمالية للبلاد التونسية» والحجة على ذلك ان قانون الصرف الحالي قد صدر منذ 48 سنة (جانفي 1976 تحديدا) وانه لم يحيّن إلا في مناسبة وحيدة في سنة 1993».

هذا وقد قرر مجلس الوزراء، على غير العادة، القيام بحملة اتصالية من قبل البنك المركزي ووزارة المالية قصد تعميم وشرح المفاهيم الواردة في هذه المجلة الجديدة لاسيما بالنسبة للمستثمرين ولكل المهنيين ذوي العلاقة بالتعامل مع العملات الاجنبية ولسائر المواطنين.

وقد اعطت وزيرة المالية اشارة الانطلاق لهذه الحملة يوم امس في حوار مطول مع زميلنا وسيم بالعربي على امواج اذاعة «اكسبرس آف آم».

النص الكامل لمشروع مجلة الصرف لم ينشر بعد، لكن الافكار الرئيسية واضحة الى حد كبير وهي تهدف الى تبسيط الاجراءات وحذف ما يبدو من تعارض بين قانون الصرف الحالي ومجلة الاستثمارات وتوفير المرونة القصوى لكل المستثمرين المحليين والأجانب في المبادلات الخارجية سواء أتعلق ذلك بالسلع او بالخدمات .

ولعل النقطة المحورية تكمن في تعريف صفة غير المقيم بالنسبة للأشخاص الطبيعيين (الافراد) او المعنويين (المؤسسات) كما تم حذف العديد من التراخيص الادارية المتعلقة بكل الانشطة بالعملة للمؤسسات غير المقيمة من اقتراض في الخارج او تحويل المرابيح الى المؤسسة الام دون انتظار موافقة البنك المركزي .

بعبارات بسيطة يهدف هذا المشروع بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية (حتى لو كانت ذات الفرد الواحد) الى جعل التعامل بالعملة الاجنبية شبيها الى حد كبير بالتعامل مع العملة المحلية دفعا وقبضا وتحويلا لشرط اثبات علاقة كل ذلك بنشاط اقتصدي فعلي.

اما بالنسبة لسائر الافراد فلا جديد يذكر إلا لمن يتمتع بوضعية غير المقيم ويثبت مع ذلك قيامه بأنشطة اقتصادية في بلد اقامته اما لعموم المقيمين التونسيين فلن تغير مجلة الصرف الجديدة شيئا يذكر في حياتهم.

الواضح ان الحكومة تريد من خلال هذه الاجراءات الجديدة تيسير مناخات عمل المؤسسات غير المقيمة تونسية كانت ام اجنبية وان تقديراتها الاولية تفيد بأن حجم العملة الاجنبية الاضافية في مخزون البلاد سيكون اكبر من العملة الاجنبية المتسربة بفعل هذه التسهيلات مما يخلق ديناميكية اقتصادية مفتوحة على الخارج ستساهم دون شك في تحفيز نمو الناتج المحلي الاجمالي .

هنا نحن امام رؤية اقتصادية متناسقة تقوم على التخفيف الاقصى من الرقابة الادارية على النشاط الاقتصادي الخاص ذي العلاقة بالتجارة العالمية لتونس .

ويبدو ان الاتجاهات الكبرى لمشروع المجلة هذه قد نالت استحسان شركائنا في الخارج لأنها توجهات ليبرالية واضحة وقوية، وإذا نجحت في اهدافها ستؤدي حتما الى تحرير الدينار جزئيا ثم كليا وكان هذا مشروع حكومة محمد الغنوشي في العقد الاول من هذا القرن .

اختيار يناقش ولكنه اختيار متناسق في حد ذاته وإذا وضعنا هذه المجلة في اطار السياسات العمومية للدولة يصبح هنالك تعارض واضح بين سياسات تستهدف ما نسميه بـ«الحيتان الكبيرة» وهذه المجلة التي ستزيد من هذه «الحيتان» ضخامة في الجسم وفي الجيب

 

المشاركة في هذا المقال