في نتائج الدور الأول للانتخابات المحلية: في رسائل التونسيات والتونسيين

بعد سنة من انطلاق مسار انتخاب المجلس التشريعي

دُعي التونسيات والتونسيون لانتخاب الغرفة الثانية (مجلس الجهات والأقاليم) ورغم بساطة هندسة الغرفة الاولى وتعقيد بناء الغرفة الثانية فالنتيجة كانت تقريبا واحدة: اكثر من %88 من الناخبات والناخبين لم يتحولوا الى مكاتب الاقتراع.

يمكن ان نقول – كما تقول هيئة الانتخابات - أن هذه النتيجة (%11.66) «مقبولة» و«محترمة» وأن المليون ونيف الذين صوتوا يوم 24 ديسمبر هم أناس محترمون ..

لاشك لدينا ان من صوتوا يوم الاحد هم مواطنات ومواطنون محترمون تماما شأنهم شأن الملايين الثمانية من التونسيات والتونسيين الذين عزفوا عن صناديق «الاحترام» ..

وإن كان من الضروري استعمال وصف «غير محترم» فهو يتعلق فقط بنسبة المشاركة لا بالمواطنات والمواطنين المقترعين.

يمكن التمادي في انكار الواقع ولكن الواضح وفي مناسبات ثلاثة متتالية (الدور الاول ثم الثاني لانتخاب المجلس التشريعي والدور الاول للانتخابات المحلية) في ظرف سنة واحدة قالت التونسيات وقال التونسيون أنهم غير معنيين بهذه الهندسة المعقدة لـ«الوظيفة التشريعية» وغرفتيها واللتين ستصحبان أمرا واقعا في الربيع القادم .

هل يعني هذا العزوف الذي لا نظير له في كل بلدان الدنيا ان عموم التونسيات والتونسيين معارضون للسلطة ولرمزها الرئيس قيس سعيد ؟ بالتأكيد لا، فالرئيس مازال يحظى بتأييد واسع يعود بعضه إلى غياب الفضاء العمومي التداولي منذ حوالي سنتين ونصف ولكن هذا التأييد المتعلق بشخصه لا يتجاوزه إلى مشروعه الايديولوجي والمؤسساتي وهذه هي المفارقة الكبرى للسلطة الحالية في البلاد.

موجة التأييد الحقيقة والفعلية لرئيس الدولة نابعة مما يمكن ان نسميه بسوء تفاهم جوهري ، فعموم المؤيدين لا يرون في قيس سعيد صاحب مشروع ايديولوجي قوامه البناء القاعدي مؤسساتيا والشركات الاهلية اقتصاديا واجتماعيا بل يرونه الرئيس القوي والنظيف على النمط الشرقي القديم او ما كان يعرف عند زعماء حركة الاصلاح بالمستبد العادل الذي يمثل الدولة بما هي «التنين» الذي تحدث عنه الفيلسوف الانجليزي «هوبس» فهو عندهم جدير بتجسيد الدولة على عكس شخصيات «العشرية السوداء» الذين «سطوا» على الدولة دون أن يكونوا أهلا لهذه المهمة السامية.

والمفارقة هنا هي أن قيس سعيد بدوره هو من خارج منظومة الحكم التقليدية ولكن تموقعه كنقيض لمنظومة العشرية السابقة جعله في قلب منظومة الحكم الشرعية، أي رمز الدولة وفق المخيال ما قبل الديمقراطي .. كل هؤلاء المؤيدين لا يحتاجون لا الى مجلس تشريعي ولا الى مجلس الجهات والأقاليم ولا الى اي نوع من المؤسسات التمثيلية.. هؤلاء يحتاجون فقط الى سلطة الدولة وهي مجسدة حسب رأيهم أفضل تجسيد في رئيس الجمهورية .

إن غياب الفضاء العمومي التداولي أو ضعفه المتزايد منذ 25 جويلية 2021 قد أحدث مفارقة أخرى وهي اضعاف المشروع الايديولوجي للبناء القاعدي الذي بقي كالسر المكنون بين جماعات شبه سرية ولم يصبح مسألة يُتداول حولها بالسلب والإيجاب فلم يتأسس تيار فكري سياسي واضح يعبّر بصفة مباشرة عن مشروع الرئيس فبقي مشروع الرئيس دون حاضنة ودون وسيلة سياسية للتعبئة أي دون حزب أو حركة سياسية فغاب عن غالبية التونسيين المشروع ولم يبق سوى الرئيس.

والنتيجة أنه بقدر اصرار السلطة على حذف السياسة من الحياة العامة يكون ارتهان مشروع البناء القاعدي إلى شخص الرئيس فقط لا غير بما يعني افراغ كل المسارات الانتخابية – باستثناء الرئاسية– من أي معنى سياسي مهما كانت قيمة المترشحين ونسبة المقترعين.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115