موعد الأربعاء: أيّام بعد المفاجأة المتوقّعة

مرّت أيّام على الهجوم المسلّح الذي استهدف سيادة الدّولة والذي ضرب مدينة بن قردان. ولئن تعدّدت أشكال الضّربات الإرهابيّة التي استهدفت تونس، فإنّ هجوم بن قردان يبقى نقطة التّحوّل من مجرّد محاولة ضرب بعض مقرّات السّيادة أو استهداف ركائز الإقتصاد، إلى محاولة ضرب الوجود القانوني للدّولة ككلّ.

مرّ الإرهاب من مرحلة محاولة إضعاف الدّولة نحو مرحلة افتكاك الأرض لإعلان السّلطة وإخضاع الشّعب. الإقليم، السّلطة، الشّعب، الأركان الثّلاث المكوّنة للدّولة والتي تفقد سيادتها إن هي فقدت أحدها.
ولئن فشل هذا المخطّط فشلا ذريعا بفضل بطولة أبناء بن قردان وجاهزيّة قوّاتنا المسلّحة، فإنّنا اليوم يجب أن نخرج، نحن كذلك، من نشوة الانتصار نحو مرحلة الإدراك والوعي الحقيقي بمستلزمات ومتطلّبات الحرب التي نخوضها.
الحديث عن خطر الإرهاب نعيش على وقعه منذ سنوات ونلمس تفشّيه أمام ضعف الدّولة في التّصدّي له منذ حكم الترويكا، من هجمات على الجامعات وغزو للإدارات وافتكاك للمساجد، إلاّ أنّ كمّيّة مخازن السّلاح المكتشفة ومواصلة مبايعة بعض من الشّباب لتنظيم داعش الإرهابي إلى حدّ هذه اللّحظة يجعل من تراخي الدّولة في مجابهة هذا الخطر مسؤوليّة مشتركة بين كلّ من وصل إلى الحكم، سواء ذلك بتوفير الأرضيّة أو بالتّراخي في مجابهته. جميع الأحزاب السّياسيّة الإسلاميّة منها خاصّة، ولكن كذلك المدنيّة، كانت في حالة إنكار واضح لمتطلّبات مصطلح «الحرب» على الإرهاب.

انتصار بن قردان ليس انتصارا لقوى سياسيّة ولكنّه انتصار لبركان من المواطنة لأفراد الشّعب وللمؤسّسة الأمنيّة ككلّ في رحلة تقصّيها عن المعلومة التي جعلت من مفاجأة الهجوم، مفاجأة متوقّعة. بن قردان اليوم عرّت أمامنا الحقيقة رغم نشوة الانتصار: تونس في خطر. نعم نحن نؤمن بأنّنا شعب لا يُهزم، وثقتنا كبيرة في المؤسّسات الأمنيّة، ولكن للحرب مستلزمات ومتطلّبات يجب أن يعي بها على حدّ السّواء السّياسيّون والمواطنون وما يُسمّى بالنّخبة المثقّفة، فالحرب لا تهدف فقط إلى الانتصار، ولكن خاصّة إلى الانتصار بأقلّ الخسائر الممكنة.

إعلان رئاسة الحكومة عن ضرورة مراجعة تعيينات الترويكا من المتمتعين بالعفو العامّ خطوة هامّة على تأخرها فلا يجب أن تتخاذل الدّولة في معركتها المستمرّة على المساجد المسيّسة والجمعيات والمدارس القرانية ولا يجب أن ترتعش أياديها فمسؤولية هذه الحكومة لا تقلّ في شيء عن المسؤولية الأخلاقية والسياسية للترويكا.

مثقفونا في حاجة إلى ادراك حجم البون الذي أصبح يفصلهم عن الشباب. جامعيّونا يجب أن يخرجوا من بوتقة مكاتبهم ورفعة ملكات أفكارهم ليدركوا أن أغلب من خرج من تونس من الشباب ليعودوا إليها وحوشا هم من الطلبة ومعركتهم الحقيقية تكمن في مدى قدرتهم على نحت العقول والتأطير وغرس مُثُل الحياة وقيمة الوطن مهما تعدّدت الإختصاصات والأساليب. فلا أشدّ وطاة على نفس الجامعي من أن يفتكّ منه مجرم جاهل معركة نحت العقول حتى ولو تجاوزته أحيانا قواعد اللعبة الإرهابية الإقليمية.
مواطنونا المحتفلون بالإنتصار لهم أن يُترجموا ذلك بلغة الفعل عبر صندوق مكافحة الإرهاب فلجنودنا أن نحمي ظهورهم كما يحمون هم صدورنا. الحرب استبطان قبل أن تكون دموعا. فماذا قدّمنا كلنا لتونس العميقة، ماذا سنقدّم جميعنا لتونس؟

في الحبّ كما في الحرب، تأتي تلك اللحظة الفاصلة التي تُختبر فيها قوذة العشق ومصداقيّته فإمّا يُكرم الحبّ او يُهان. أهالي بن قردان وجنودنا كعُشّاق أبديين، وقفوا بكلّ تونس على شفى تلك اللحظة الفاصلة، أولئك الذين لم نقدّم لهم شيئا لم يتركوا يد تونس ولو للحظة واحدة. بهذا الحبّ للعلم، وبهذا العشق للوطن، أبدا لن تثهزم تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115