تنحية ديلما روساف (dilma roussef) في البرازيل ودروس أفول اليسار في أمريكا اللاتينية

جاء قرار الكنغرس البرازيلي يوم 31 أوت الفائت لينهي مسلسل تنحية رئيسة البرازيل ديلما روساف بعد أشهر من المعارك القانونية والسياسية. جاء القرار ليؤكد التنحية ولينهي الفترة الثانية لرئاسة مرشحة حزب العمال البرازيلي والتي بدأت بصعوبة كبيرة بعد انتخابات ديسمبر 2014.

وستخرج الرئيسة المناضلة اليسارية والتي رفعت حتى السلاح ضد الديكتاتورية العسكرية في الستينات بطريقة مهينة بعد الاتهامات بالفساد وبعد أن وصل الحزب وزعيمه لولا دا سيلفا منذ 14 سنة إلى السلطة في البرازيل بطريقة جماهيرية وبعد انتصار ساحق على القوى اليمينية.

وتأتي هذه التنحية لتنهي فترة من هيمنة اليسار في أغلب بلدان أمريكا اللاتينية وقد انطلقت هذه المرحلة في فيفري 1999 عند وصول الرئيس الراحل هوقو شافاز إلى السلطة في فينزويلا وإعلانه عن الثورة البوليفارية ضد قوى اليمين المدعوم من الشيطان الأكبر كما يسميه اليساريون أي بلاد العم سام. وسيكون وصول شافيز للسلطة نقطة انطلاق لانتصارات سياسية أخرى في عديد بلدان أمريكا اللاتينية لتجعل من هذه الحقبة مرحلة هيمنة اليسار الراديكالي في هذه المنطقة وفترة بزوغه وإشعاعه.

سيعقب انتصار شافيز وصول العامل لولا وزعيم حزب العمال البرازيلي إلى السلطة سنة 2003 وبعد ثلاث محاولات فاشلة. وفي نفس السنة سيصل البيروني – نسبة إلى الرئيس بيرون Nestor Kirchner إلى سدة الحكم في الأرجنتين وستعقبه زوجته كريستينا سنة 2007 ولتحكم الأرجنتين إلى نهاية السنة المنقضية. وستشهد بوليفيا نفس التحول السياسي بعد انتخاب إيفوموراليس كرئيس للبلاد وهو أول رئيس من أصول الهنود الحمر في تاريخ أمريكا اللاتينية وهو زعيم اشتراكي وزعيم نقابي في سنة 2006. وفي نفس السنة سيقع انتخاب الاشتراكية ميشال باشلي في الشيلي ليعاد انتخابها من جديد لسنة رئاسية ثانية سنة 2010. وفي سنة 2007 ستعرف الإيكوادور نفس التحول بعد وصول اليساري رفائيل كوريل Raphael Correa وستتواصل انتصارات اليسار في أمريكا اللاتينية إثر نجاح فرنندو لوقو Fernando lugo صديق الرئيس البرازيلي لولا في انتخابات 2008 في الباراقواي. وسيكون مسك ختام هذه الطفرة اليسارية وصول قائد حرب العصابات السابق وزعيم الحركة الثورية في الأوروغواي المزارع جوزي موخيكا José mojica إلى سدة الرئاسة سنة 2010. والطريف عنه أنه قرر عدم الذهاب والعيش في القصر الجمهوري وواصل الإقامة بضيعته.

إذن شكلت هذه الفترة مرحلة تاريخية هامة في حياة الحركات اليسارية لا فقط في أمريكا اللاتينية بل كذلك في العالم بعد وصولها إلى الحكم في كبرى بلدان القارة وأصبحت ثماني بلدان من 12 بلدا في المنطقة تحت هيمنة القوى اليسارية الراديكالية وستكتسي هذه المرحلة أهمية خاصة باعتبار أن بلدان أمريكا اللاتينية ستصبح مخبرا اجتماعيا في محاربة الفقر والتفاوت الاجتماعي الصارخ الذي تعرفه هذه المنطقة.

وكانت هذه البلدان كذلك محل اهتمام كبير من قبل المنظمات الدولية وبصفة خاصة منظمة الأمم المتحدة باعتبارها جعلت من محاربة الفقر أولى أولويات توافق التنمية للألفية. وقد قامت عديد الحكومات في هذه البلدان بوضع سياسات اجتماعية ساهمت مساهمة كبيرة في محاربة الفقر ونمو وتزايد الطبقات الوسطى وتراجع الفوارق الاجتماعية.

إلا أن هذا الازدهار وفترة صعود اليسار بلغت منتهاها لتعقبها فترة جديدة من الهزائم الانتخابية والانكسارات وستبدأ مرحلة تراجع اليسار وأفوله في السنة الفائتة إثر الهزيمة المفاجئة للمرشح البيروني في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين وانتصار مرشح اليمين الليبرالي موريسيو ماكري mauricio macri في انتخابات نوفمبر 2015. وسيبدأ الرئيس الجديد مباشرة في تطبيق برنامج من الإصلاحات الليبرالية تقطع مع السياسات اليسارية التي طبقتها حكومات الحزب البيروني المتعاقبة ثم ستأتي هزيمة أنصار الرئيس الراحل شافيز والثورة البوليفارية لشافيز في الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2015. وفي نفس السنة ستشهد البرازيل انطلاق معركة تنحية الرئيسة ديلما روساف بتهمة الفساد لتنتهي هذه الحملة في نهاية شهر أوت بعد موافقة الكنغرس على تنحيتها.

وإلى جانب نتائجها السياسية السلبية على القوى اليسارية فإن تنحية الرئيسة وخاصة النقد الشديد بعد فضائح الفساد سيكون له تأثير هام على المستوى الأخلاقي وبصفة خاصة على قيادات الحركات اليسارية والتي جعلت من محاربتها ورفضها إغراءات المال إحدى الركائز الأساسية لمشروعيتها السياسية وجعلت منها الخيط الفاصل بينها وبين القوى اليمينية المرتبطة بدوائر المال والأعمال. ولعل انتهاء شعبية لولا والذي كان إلى فترة قصيرة أحد أيقونات اليسار لا فقط في البرازيل بل كذلك على المستوى العالمي حيث أصبح لسنوات طويلة الأب الروحي والداعم الأساسي لمنتدى Porto Alegre للحركات الاجتماعية المناهضة للعولمة والنهاية الرثة التي يعرفها الآن والتي دفعت العديد من قيادات حزب العمال إلى رفض حضوره في اجتماعاتهم الانتخابية البلدية في أكتوبر القادم لأكبر دليل على صعود اليسار في أمريكا اللاتينية إلى القمة في بداية الألفية ثم سقوطه المدوي في الأشهر الأخيرة.

وتناولت عديد الدراسات هذه الظاهرة السياسية ذات الأهمية لفهم أسباب الصعود ودوافع الأفول وقد أشارت هذه القراءات والتحاليل إلى سببين هامين السبب الأول هو الأزمة الاقتصادية وبصفة خاصة التراجع أو بل قل انهيار أسعار المواد الأولية وانعكاساتها على بلدان أمريكا اللاتينية وسياساتها الاقتصادية وبصفة خاصة الاجتماعية.

فهذه البلدان وبالرغم من درجة نموها وتطور نسيجها الاقتصادي فهي لا تزال مرتبطة شديد الارتباط بالمواد الأولية والتي تصدرها في عديد الأحيان خاما أي بدون تحويل ومكّن الصعود الصاروخي لأسعار هذه المواد هذه البلدان في العشرية الأولى للألفية من مداخيل استثنائية كبيرة مكنتها من وضع عديد البرامج الاجتماعية للفقراء والشرائح المهمشة مما ساعد الحكومات اليسارية على إيجاد دعم سياسي وقاعدة اجتماعية صلبة ساعدتها على البقاء في السلطة وبسط نفوذها السياسي إلا أن تراجع أسعار المواد الأولية في السنتين الأخيرتين قد نتج عنه تراجع مداخيل هذه الدول وكان سببا في تنامي عجز المالية العمومية وخلق أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة في بلدان كبالبرازيل والأرجنتين وفينيزويلا مما أدى بالعديد من هذه البلدان والحكومات إلى القيام بسياسات تقشفية أضعفت الحكومات اليسارية وكانت وراء تراجع مشروعيتها السياسية والاجتماعية.

المسألة الثانية التي تفسر أفول وتراجع اليسار هو تغلغل وتنامي غول الفساد واستفحاله في هذه الدول في السنوات الأخيرة. وقد مست هذه الظاهرة عديد القيادات الهامة في الأحزاب اليسارية في أغلب هذه البلدان وقد ساهمت الصحافة المستقلة في فضح هذه الظاهرة والتنديد بها كما عرفت هذه البلدان ظهور ونمو حركة قضائية مستقلة لعبت دورا أساسيا في حملات النظافة وفي محاربة الفساد بكل أنواعه ومهما كان موقعه وقد خلّفت هذه الحملات ضد الفساد والتي شهدت تطورا كبيرا من خلال الشبكات الاجتماعية جيلا جديدا من الشباب ومن المواطنين الذين يرفضون الفساد ويحاربونه حتى ولو كان المتهمون به من اليسار الذي ساندوه ودعموه في الحملات السابقة خلفت هذه الحملات جيلا جديدا من المواطنين جعل من نظافة اليد ومحاربة الفساد جزءا لا يتجزأ من مبادئ المواطنة والديمقراطية.
طبعا تشير بعض الدراسات إلى دور اليمين وتغلغله في وسائل الإعلام في محاربة اليسار وسقوطه إلا أنه في تقديري فإن الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية وضلوع قيادات اليسار في أكبر وأهم قضايا الفساد في عديد البلدان كانت وراء أفول هذه الحركات بعد فترة نمو هام طيلة الخمس عشرة سنة المنقضية.

وأغتنم فرصة هذه التطورات التاريخية الهامة لا فقط في أمريكا اللاتينية بل كذلك في العالم لأصوغ بعض الملاحظات والأفكار حول علاقة اليسار بالحكم والدول والخلافات التي عرفتها بلادنا بين بعض القيادات اليسارية حول مسألة المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية ليست بغريبة عن العلاقة المعقدة إذ لم نقل الصدامية بين اليسار بكل أطيافه والحكم وأجهزة الدولة.

هذا التوتر والصراع والصدام في العلاقة بين اليسار والحكم ليس بالجديد ويجد جذوره في الكتابات النظرية والفكرية لأهم مفكري الحركة الشيوعية ابتداء من ماركس وأنقلز مرورا بلينيني إلى المفكرين الحاليين وقد قام هؤلاء المفكرون بضبط الأسس النظرية لثلاث قضايا أساسية ستحكم علاقة ليسار بالحكم وستفسر الأزمة الوجودية التي بدأت مع ظهور اليسار وجعلت منه قوة معارضة على مدى تاريخه وحكمت بالفشل على تجارب الحكم التي قادها.

المسألة الأولى مرتبطة برؤية اليسار للسياسة وبصفة خاصة للدولة وقد اعتبرت القوى اليسارية في معمل تاريخها أن الدولة ومؤسساتها هي أدوات لسيطرة الطبقات البرجوازية على المجتمعات وبسط هيمنتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي هذه القراءة فإنه لا يمكن التخلص من هذه الوضعية إلا بتقويض ركائز الدولة ومؤسساتها.

المسألة الثانية مرتبطة برؤية هذه الحركات والأحزاب السياسية للاقتصاد وتعتبر هذه القوى أن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمعات الرأسمالية هي وراء الاستغلال وتعيد إنتاجه فملكية وسائل الإنتاج وأدواته تجعل من الصناعيين يستأثرون بمحصول الإنتاج والأرباح ولا يمكنون العمال إلا ما يكفي بالكاد من تلبية حاجياتهم الأساسية ولا يمكن حسب هذا التحليل من إنهاء علاقات الاستغلال إلا بفرض الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

المسالة الثالثة تخص المجتمع وبصفة خاصة هيمنة الطبقات الثرية والبرجوازية على الطبقات الاجتماعية الأخرى وبصفة خاصة الطبقات الكادحة والفئات الاجتماعية المهمشة وحسب هذه القراءات فإنه لا يمكن إنهاء عملية الهيمنة الاجتماعية إلا بالوصول للمجتمع اللاطبقي والذي تنتفي فيه الطبقات الاجتماعية.

كانت هذه النظرة التي هيمنت على رؤية الحركات اليسارية للسياسة والاقتصاد والمجتمع ومن هنا كان هدف هذه الحركات هو تثوير هذه العلاقات وتغييرها بطريقة جذرية من أجل الوصول للمدينة الفاضلة التي ينتفي فيها الاستغلال وستكون هذه النظرة هي التي ستقود الحركات اليسارية في علاقتها بالحكم وتفسر هذا التوتر والصدام الذي يغلب على هذه العلاقة.

وتنبهت عديد الفصائل منذ البدايات الأولى إلى استحالة هذا المشروع السياسي والذي سيكون بمثابة الحلم غير الممكن وسيكون هذا النقد وراء ظهور الحركات الديمقراطية الاشتراكية والأحزاب الاشتراكية كما نعرفها اليوم منذ نهاية القرن التاسع عشر والتي ستخلق علاقة أقل توترا مع الحكم والدولة وستطرح هذه الحركات تصورا مختلفا عن الحركات الثورية حول القضايا الثلاث الأساسية التي أشرنا إليها سابقا ففي قضية السياسة ستضع القوى الاشتراكية مسألة الديمقراطية كإطار لفتح الدولة ومؤسساتها أمام مختلف التعبيرات السياسية والاجتماعية أما على المستوى الاقتصادي فستحاول أن تجد توازنا بين تأميم أهم وسائل الإنتاج ودور السوق أما من الناحية الاجتماعية فستجعل هذه القوى من المساواة الاجتماعية هدفها الأساسي إذن ستكون الديمقراطية والتوازن بين الدولة والسوق والمساواة الاجتماعية أهم ركائز البرنامج الإصلاحي القوى الاشتراكية.

وسيشهد العالم وخاصة البلدان الديمقراطية منذ قرنين تنافسا كبيرا بين ثلاثة تصورات أو ثلاثة مشاريع اجتماعية: المشروع اليميني الليبرالي والمشروع الثوري والمشروع الإصلاحي وستعرف هذه المشاريع طريقها للتطبيق في عديد البلدان وسيكون المشروع الثوري وراء تجارب الفكر الاشتراكي في البلدان الاشتراكية أما المشروع الاشتراكي فسيعرف طريقه إلى التطبيق في تجارب الأحزاب الاشتراكية في عديد البلدان مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والشيلي وغيرها.

إلا أن هذه التجارب باءت بالفشل فكان سقوط جدار برلين ورجوع اليمين الكبير الليبرالي في البلدان التي حكمتها الأحزاب الاشتراكية إعلانا عن أزمة التيارات وضرورة إعادة النظر في قناعاتها ومعتقداتها الفكرية والإيديولوجية وسيقوم حزب العمل البريطاني وزعيمه طوني بلير بعملية التجديد التي ستركز على الإصلاحات الاقتصادية وإعطاء جرعة كبيرة من الليبرالية ودورا اكبر للسوق عوضا عن دور الدولة والبيروقراطية الكبيرة التي تميزها.

وأصبح طوني بلير ومفكره عالم الاجتماعي anthony giddens ونظرية الطريق الثالث بين الليبرالية المتوحشة والاشتراكية الديمقراطية الجامدة قبلة العديد من المفكرين والقادة السياسيين من بينهم كلينتون وفرهاردشرو دور المستشار الألماني السابق وستكون هذه الأفكار وراء الإصلاحات الليبرالية في الميدان الاقتصادي والمالي.

وستشهد محاولة التجديد نقدا كبيرا باعتبار أن الإصلاحات الاقتصادية وبصفة خاصة تقليص دور الدولة ومراقبتها السوق المالية ستهيئ الظروف للأزمة الاقتصادية الخانقة التي سيعرفها الاقتصاد العالمي في السنوات 09-2008 كما أن هذه السياسات ستعرف نقدا كبيرا باعتبارها ستساهم في صعود التفاوت الاجتماعي وستجعل النسيج الاجتماعي أكثر هشاشة في البلدان المتقدمة.

وستشكل الحركات اليسارية والأحزاب في أمريكا اللاتينية عند وصولها إلى السلطة محاولة جديدة لإعادة النظر في الأسس الإيديولوجية والفكرية والحد من التوتر في علاقتها بالسلطة ودواليب الحكم ولئن ركزت محاولة تجديد طوني بلير على الجانب الاقتصادي فإن التجارب اليسارية في أمريكا اللاتينية ستركز على الجانب الاجتماعي منذ وصولها إلى السلطة في بداية الألفية ولئن نجحت هذه التجارب في التقليص من الفوارق الاجتماعية الصارخة والحد من الفقر والتهميش الاجتماعي فإنها عرفت نفس المصير وارتطمت وانكسرت هذه التجارب على الأمواج العاتية للأزمات الاقتصادية والفساد.

حرصت من خلال هذه الملاحظات على أن أشير إلى الجذور التاريخية والفكرية لهذه العلاقة المتوترة والعنيفة والصدامية التي ميزت التواصل بين اليسار والحكم وفك هذه العلاقة والخروج من الحلم المستحيل في بناء المدينة الفاضلة يتطلب إجابات جديدة في قضايا السياسة والديمقراطية والتنمية والتوزيع العادل للثورة والمساواة والاندماج الاجتماعي إلى جانب هذه القضايا الجوهرية لا بد من إضافة مسائل أساسية أصبحت في قلب المجتمعات الحديثة وهي القضايا الأخلاقية كمحاربة الفساد والمحسوبية وكل ما من شانه أن يحرم المواطن من تكافؤ الفرص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115