«خلينا ناقفوا لتونس»

بالرغم من وعينا بـــأن أول إطلالة لرئيس الحكومــة الجديد دُبرت تدبيرا يكاد يكون محكما وأن خطابه خضع لصناعة لا لبس فيها ... بالرغم من تفطننا إلى أنه كان يستنجد بالأوراق وهو يوجه رسالة إلى كل التونسيين «خلينا ناقفوا لتونس « فكان خطابه بعيدا عن العفوية وقريبا من الحماسة الموصولة إلى مشهدية الركح...

بالرغم من كل آثار الصناعة فإننا رددنا: لنتريث ونعاين wait and see وها نحن أمام أول اختبار لأداء الحكومة. فإذا ب»الشاهد» حسب منتقديه لا يكلف نفسه عناء التنقل إلى القصرين مباشرة بعد تواتر الأنباء عن الفاجعة تجسيدا لعبارة 'ناقفوا لتونس» وإثباتا للأوليات. فهل يعني هذا أنّ عبارة «لازمنا ناقفوا لتونس» هي شعار يوشّي الخطاب ولا يطبق على أرض الميدان إلا بعد دراسة مستفيضة تراعي جميع الاحتمالات؟ هل مرد هذا الغياب ضعف في التواصل وجها لوجه مع المواطنين؟ هل يعني التوجس من زيارة القصرين أنّ المسافة بين المسؤولين والشعب لازالت تثير مخاوف كل وزير/ة فإذا به يخشى الاحتكاك بالجماهير خوفا من ردود الأفعال المنفلتة وحفاظا على هيبته.؟ هل يعني هذا أنّ أزمة الثقة بين الحكومة والشعب تتطلب مجهودا كبيرا لتجاوزها؟لمَ فوّت «الشاهد» على نفسه فرصة الظهور المباشر في مختلف المؤسسات بالقصرين بكل الدلالات الرمزية لهذه الزيارة؟

ولئن كنا نجهل أسباب تفضيل «الشاهد» تأجيل الزيارة إلى أولى سويعات اليوم الثاني فإننا ندرك ما ترتب عن هذا القرار من نتائج منها استغلال كتائب الفايسبوك هذا الأمر لبث «الفتنة» وتأجيج النعرات الجهوية من خلال المقارنة بين ما حدث في سوسة وما وقع في القصرين ،فضلا عن الإشارة إلى «حزب الفرانكوفونيين» الذين ساندوا فرنسا في محنتها ولم يكلفوا أنفسهم عناء التحول إلى القصرين، ومنها اللعب على وتر الإقصاء والتهميش...والتفريق بين «أولاد الحفيانة' و'أولاد العائلات وأصحاب النمط' ، ومنها التأكيد على هشاشة الدولة، ومنها استغلال إحدى نائبات حزب النهضة الموقف للدعاية الحزبية والتشكيك في نوايا وزيرة الصحة متناسية أنها من زمرة من منحوا الحكومة الثقة وأن «مرعي» لازالت «تكتشف» وزارتها، ومنها التشكيك في نجاح المسار الانتقالي بالعودة إلى التذكير بالزمن «الجميل» زمن بن عليّ، ومنها العودة إلى نظرية المؤامرة، ومنها التنديد بإعلام العار الذي لم يقم بواجبه في تغطية الحدث ....

وبعيدا عن هذا الجدل حول فاجعة القصرين وردود الأفعال السريعة والعاطفية «كلنا قصارنية» أو التوظيف الأيديولوجي الذي يستغل كل حادثة لتأجيج الصراع تلوح ظاهرة جديدة في الأفق مبشرة بالخير. التونسيون يتخذون زمام المبادرة يعبرون عن روح التضامن والوحدة الشعبية يفتحون شققهم لأهالي القصرين الذين قصدوا المستشفيات للاطمئنان على جرحاهم في سوسة وبن عروس...وأطباء من سيدي بوزيد يتكفلون بعلاج المصابين ، فهل معنى هذا أن التونسيين ما باتوا يعولون على الدولة والحكومة ؟ هل هي رسالة موجهة إلى المتقاعسين والمتباكين، والمولولين ...؟ هل هي تجليات المواطنة المسؤولة؟ هل هي إرهاصات تحرك المجتمع المدني بعد طول سبات؟ هل هو تعزيز للتكافل الاجتماعي المدني ؟ أسئلة كثيرة تطرح علنا نتبين مسار الإصلاح : من فوق إلى تحت أو من القاعدة نحو المسؤول أم هو تفاعلية بين طرفين يسعيان إلى تكريس مبدأ التشاركية فالكل مسؤول عن إنقاذ البلاد من الإرهاب والاتكالية والفساد والانحطاط والتدهور.

وعد «الشاهد' بالقطع مع طرق المعالجة التقليدية ... وعد بأن تكون له إرادة سياسية معبرة عن وعي بخصوصية المرحلة التي تفاقمت فيها الأزمات ...وعد بأن يصغي إلى معاناة المكدودين ...وحتى تتحول الوعود والخطابات إلى منجز فعلي لابد من مراعاة عامل الزمن...ما عاد بالإمكان انتظار زيارة رئيس الحكومة للقصرين المنكوبة حتى فجر اليوم الثاني.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115