حقائق مخفية حول المالية العمومية

• نسبة التداين الفعلية: 61 %
• التقديرات الأولية لميزانية 2017: 35 مليار دينار

• احتياجات الاقتراض المبدئية لـــ 2017: 13 مليار دينار
• ضمان أجور الموظفين لنهاية هذه السنة متوقف على مواصلة مساندة صندوق النقد لنا

• كتلة الأجور لـــ 2017: 15 مليار دينار
• حكومة حمادي الجبالي انتدبت في سنة 2012 أكثر من 100.000 موظف!

كل المؤشرات المتوفرة حاليا تفيد بأن حكومة يوسف الشاهد سوف تنال يوم غد ثقة مجلس نواب الشعب والسؤال الوحيد المتبقي هو في عدد الكتل والنواب المؤيدين لها وهل ستكون أغلبيتها مريحة أم ضيقة.. علما وأن الأغلبية المريحة لحكومة الحبيب الصيد لم تجد نفعا في الماضي القريب...

كما تفيد المعطيات الأولية بأن رئيس الحكومة المكلف سيكشف أمام نواب الشعب حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد ويعلن في ذات الوقت حزمة من الإجراءات العاجلة لمعالجة الاختلالات الأكثر خطرا على وضعية البلاد...
سوف نسعى هنا إلى كشف المعطيات الأساسية لوضعية المالية العمومية لتونس إذ الأزمة الحادة التي تعيشها تونس والتي يقول البعض بأنها غير مسبوقة في تاريخ تونس هي أزمة المالية العمومية أولا وقبل كل شيء بالإضافة إلى النمو الهش لاقتصادنا خلال السنوات الست الأخيرة...

تتمثل أزمة المالية العمومية التي تعيشها الدولة التونسية منذ سنة 2011 في التباعد المتفاقم بين مصاريف الدولة ومواردها الذاتية مما اضطرها إلى الإسراف في التداين وخاصة الخارجي منه ودفعها إلى عقد اتفاق قرض أول مع صندوق النقد الدولي زمن الترويكا شفعناه باتفاق قرض ثان بقيمة 6 مليار دينار مع حكومة الحبيب الصيد... هذا الاقتراض المتواصل رفع من نسبة مديونية البلاد مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي (PIB) من 40 % سنة 2010 إلى 61 % في موفى هذه السنة لا كما ادعاه وزير المالية الحالي سليم شاكر والذي أكد أن نسبة التداين لن تتجاوز سنة 2016 الـــ 56 % على الأقصى... وفي الحقيقة فقد نبّه فريق من صندوق النقد الدولي في جويلية الفارط إلى أن طريقة احتساب الدين التونسي خاطئة لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار لجوء الدولة إلى أموال الادخار الفردي للتونسيين وهكذا حسب هذه المؤسسة المالية الدولية تكون نسبة التداين الفعلي هي 61 % بدلا عن 56 % أي أننا رفعنا من نسبة التداين العمومي خلال ست سنوات بما يناهز النصف وتجاوزنا سقف 60 % الذي كان يعده كل الخبراء بمنطقة الخطر الأقصى للمالية العمومية ولقدرة البلاد على التحكم الجيد في تدايننا الداخلي والخارجي على حد سواء....

لقد استمعنا إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال وهو يقول في الإعلام وأمام مجلس نواب الشعب أن الحكومة قد اتخذت الإجراءات اللازمة لحسن التصرف في تداين البلاد والإجراء الوحيد المتخذ هو تأجيل دفع القرض القطري وهو يعني عند كل خبراء الدنيا اللجوء إلى نوع من جدولة الدين لا إصلاح تركيبته أو الحد منه... ولكن الأنكى من كل ذلك هو أن الميزانية الأولية التي أعدتها حكومة الحبيب الصيد وتداولها مجلس وزاري خلال الأسابيع الفارطة ستفاقم بصفة خطيرة هذا الوضع إذ قدرت فيها النفقات العمومية الطبيعية للدولة بحدود 35 مليار دينار أي بنسبة زيادة بـــ 19 % مقارنة بسنة 2016 في حين أن الموارد الذاتية ستكون في حدود 22 مليار دينار أي أننا، نظريا، سنضطر لاقتراض حوالي 13 مليار دينار حتى نتمكن من غلق الميزانية للسنة القادمة...
وبطبيعة الحال فإنه لا يمكن إقرار ازدياد النفقات العمومية بمثل هذا الحجم لذا طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال من كل الوزارات ومصالح الدولة التقليص القوي والقسري لهذا الإنفاق حتى يكون في حدود 31 مليار دينار... أي أن الدولة ستضطر لاقتصاد 4 مليار دينار في مصاريف قدّرت في البداية أنها ضرورية... ودون الدخول في علم الغيب يمكن أن نقول بأن ضحية هذا «التقشف» سيكون الاستثمار العمومي للدولة وأن المتضرر الكبير هو التنمية والتشغيل خاصة في المناطق الداخلية ولكن حتى في هذه الحالة فستضطر الحكومة لاقتراض 9 مليار دينار وسيكون الثلثان من الاقتراض الخارجي...

الإشكال لا يكمن في مبدإ التداين في حد ذاته إذ من المعلوم أن هنالك ما يسمى بالتداين الإيجابي وهو الذي تتمكن بفضله الدولة من دعم قدراتها الاستثمارية ومن رفع نسق النمو ولكن التداين التونسي للأسف الشديد ليس من هذه الفصيلة... فهو تداين استهلاك وأضحى اليوم تداينا لإرجاع خدمة الدين (أي ما تدفعه الدولة سنويا من أصل الدين ومن فائدته أيضا) وخدمة الدين هذه قد تبلغ حوالي سبعة مليار دينار في السنة القادمة أو تفوق وهكذا يتضح أننا أصبحنا نقترض لإرجاع ديننا ليس إلا ويضيف تضخم إنفاقنا الاستهلاكي ضغوطا إضافية على قدرتنا الاستثمارية...

سبق وأن قلنا في مناسبة سابقة أن حكومة الحبيب الصيد قد التزمت كتابيا مع صندوق النقد الدولي بألا تتجاوز كتلة الأجور للسنة القادمة 13,5 مليار دينار ولكن التحيينات الحالية تفيد بأن كتلة الأجور للوظيفة العمومية فحسب قد تتجاوز 15 مليار دينار هذا دون أن نضيف إليها كتلة أجور العاملين في المؤسسات العمومية والتي تدفع جلها من ميزانية الدولة...

لقد أوصى صندوق النقد الدولي في وثيقة خاصة بالدولة التونسية في الشهر الفارط بضرورة تجميد الأجور والانتدابات في الوظيفة العمومية وإن لم تقدم على ذلك الدولة التونسية فقد يراجع صندوق النقد الدولي موقفه منها وقد يضطر لعدم صرف الأجزاء المتبقية من قرض 6 مليار دينار الذي اتفق فيه مع الدولة التونسية السنة الفارطة...

ودون أن نكون نذير شؤم فإننا نخشى وبصفة جدية أن يكون صرف مرتبات الموظفين مهددا في الأشهر القادمة هذا مع العلم بأن صرف مرتبات شهر جوان الفارط قد حصل بفعل ضغط استثنائي من البنك المركزي على سائر البنوك التونسية...
لكن ما دمنا نتحدث عن كتلة الأجور في الوظيفة العمومية لا يمكن أن نمر دون ذكر كارثة الكوارث التي تسببت فيها حكومة حمادي الجبالي النهضوية...

ففي دراسة صدرت الشهر الماضي عن المعهد الوطني للإحصاء تحت عنوان «خصائص أعوان الوظيفة العمومية وأجورهم لسنوات 2010 – 2014» نجد رقما مفزعا للغاية...
في سنة 2010 كان عدد الموظفين 435.487 ثم أصبح 591.174 سنة 2014 أي بزيادة صافية تقارب 160.000 موظف في أربع سنوات فقط ولكن أكثر من نصف هذا العدد (حوالي 90.000) قد ازداد في سنة واحدة وهي سنة 2012 زمن حكومة حمادي الجبالي النهضوية.

وإذا ما علمنا بأن عدد الخارجين إلى التقاعد يتجاوز 10.000 موظف تكون حكومة حمادي الجبالي قد انتدبت في الوظيفة العمومية أكثر من 100.000 موظف وبزيادة سنوية تناهز 20 % (19,81 %)... تصوروا زيادة خمس الموظفين الإجماليين على امتداد عقود في سنة واحدة !!

إنها الهواية الساذجة والمحسوبية الحزبية التي أثقلت ميزانية الدولة بما لا طاقة لها به والحال أن حمادي الجبالي كان قد قال أمام المجلس التأسيسي أن الانتدابات لسنة 2012 ستكون استثنائية لأنها ستبلغ 25.000 (نعم هكذا) ثم قيل لنا بأن عدد المنتفعين بالعفو العام والذين عادوا إلى الإدارة التونسية هو دون 10.000.. إذن من أين أتى البقية؟! وهل يُسمح لمن بيده مقاليد الحكم أن يُغرق البلاد بهذه الصفة العبثية واللامسؤولة!!

هذه بعض الحقائق التي يسعى بعضهم الآن وفي الماضي القريب كذلك إلى إخفائها على التونسيين... حقائق يتوجب علينا جميعا أن نقف عندها وأن نقف جميعا لتونس دون حسابات حزبية أو فئوية... فباب الإصلاح مازال ممكنا لكن شريطة توحد كل الجهود ونبذ كل الأنانيات الفئوية وإرجاع الرشد إلى حوكمة البلاد بعد أن فقدته كليا أو جزئيا طيلة هذه السنوات الأخيرة...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115