الوحدة الوطنية في مكافحة الإرهاب: الكل يغني على ليلاه

يعود الحديث بعد كلّ عملية أمنية أو إرهابية إلى ضرورة الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب، لكن هذه الوحدة التي يخبو الحديث عنها أياما قليلة هل هي بعيدة المنال؟ فما الذي سيوحد الأضداد ، فهم في رؤيتهم للظاهرة وكيفية معالجتها لا يلتقون على ابسط التعريفات حتى يلتقوا على إستراتيجية

عامة الكل ينادي بها ولكن وفق تصوره الخاص.
باندلاع إحداث مدينة بن قردان وتصدي وحدات الجيش والأمن التونسي لمحاولة منتسبين لتنظيم «داعش» الإرهابي السيطرة على المدينة، تعالت الأصوات المنادية بالوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب وتكرّرت الدعوات لتنظيم مؤتمر وطني في الغرض.
هذه الدعوة التي تكررت 4 مرات خلال حكومة الحبيب الصيد، دون احتساب المرات التي أطلقت في حكومة مهدي جمعة في 2014، تواجه معضلة أساسية تتمثل في تباين وجهات النظر بين الفاعلين في المشهد السياسي، احزاب حكم ومعارضة، بشأن مسالة الارهاب وكيف تقاوم.

من هو الارهابي ؟
فالخلافات تنطلق من تباين في تعريف الارهابي، فالقائمة متغيرة من طرف سياسي إلى أخر، وان التقى الجميع على ان من يحمل السلاح ضدّ الدولة هو إرهابي، على غرار عدنان منصر الأمين العام لحراك تونس الإرادة، الذي قال في تصريح لـ«المغرب» ان تحديد من هو الارهابي بات محل اجماع وطني، فكل من يحمل السلاح ضد الدولة والمواطنين هو ارهابي.
هذا الاجماع الذي يشكك فيه عصام الشابي القيادي في الحزب الجمهوري، بقوله انه لا يوجد تعريف واضح للارهابي، باعتبار ان صفة الارهاب باتت تشمل حزب الله اللبناني، وهو ما يعني عدم وجود تعريف وطني مشترك بين الفاعلين السياسين في تونس.
تخبط السياسيين في تحديد من هو الارهابي وما هو الارهاب احد الموانع في توحيد الصف ضد هذه الآفة، فالطبقة السياسية التونسية تعيش في ما بينها صراعات طالت ما يفترض انه خارج دائرة الخلاف، وهو ملف مكافحة الارهاب في بلاد تشارف على عامها الرابع في حربها عليه.

هذا التباين يقره عبد الحميد الجلاصي، نائب رئيس حركة النهضة الذي يشدد على ان ما يحول دون وحدة وطنية ضد الارهاب هو “الرواسب الايديولوجية”، التي اعتبرها العقبة الاساسية في توحيد الاحزاب ضد الارهاب.

دائرة الخلاف
مقابل التشتت الحزبي يقر الجلاصي بوجود ارادة شعبية حققت وحدتها في الحرب علي الارهاب في انتظار تجاوز “الخلل الموجود في النخبة السياسية٫ احزابا ومنظمات المجتمع المدني” وفق قوله.
الذي يضيف عليه انه طالما يحكم “العقل الايديولوجي” البعض القائل “بالدم الاحمر والدم الاسود” سيستمر الانحراف ويسيقع التركيز على معارك هامشيةعوضا عن التركيز عن معاركة التنمية ومكافحة الارهاب.
وتجنبا لئن يسقط في التعميم شدد عبد الحميد الجلاصي على ان جل الاحزاب اليوم تغلب منطق التوافق وتقر بالمنافسة السياسية السلمية وتجمع على ان الاولويات اليوم هي القضايا الاساسية وتأجيل الخلافات.
واعتبر الجلاصي ان الخلافات اليوم التي تحول دون توحيد الاحزاب سببها ايضا خلافات في التعاطي مع مرجيعة الثورة ومرجعية الدستور، التي قال ان البعض لم يندرج فيها بالقدر الكافي دون ان يوضح من يقصد ولا ما يقصد.
هذا الغموض يتجاوزه الجلاصي حينما يتحدث عن المؤتمر الوطني لمكافحة الارهاب فما يمنع التئامه ليس اشكالا فنيا وليس تعثر الحكومة، لكن السبب هو غياب الشروط التي من بينها التوافق على مخرجات المؤتمر والقضايا التي ستطرح فيه وتجنب التجاذب السياسي الذي سيهز صورة الوحدة الوطنية.

من يعطل المؤتمر حول الارهاب ؟
فالجلاصي يلمح الي ان الحكومة والاحزاب الحاكمة جاهزون للحوار الوطني لمكافحة الارهاب على عكس من هم خارج الحكم، وهنا يعود الجلاصي للتنسيب بالاشارة الي ان ليس كل المعارضين غير جاهزين للحوار.
وهنا ينفي الجلاصي ان يكون المقصود بقوله هو ان الجبهة الشعبية غير جاهزة٫ بل يشدد ان حركته ليس لها اشكال مع اي طرف، وهو ما يقابله تشديد الجيلاني الهمامي من ان البعض يريد ان تكون الوحدة الوطنية ضد الارهاب على هواه.
فالقيادي في الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي يرى ان الاحزاب الحاكمة تريد ان يقتصر الحوار على تمرير مقترحاتها دون العودة الى فتح ملف المحاسبة، التي تشمل تحديد من هو المسؤول عن انتشار الارهاب في تونس.
لكن هذه الوحدة التي يشير اليها الجيلاني الهمامي ينفيها عدنان منصر الامين العام لحراك تونس الحرة، الذي شدد على انه لا توجد « وحدة وطنية في مكافحة الارهاب”، فالوحدة من وجهة نظره تستلزم اجماعا وطنيا بعيدا عن الانقسام الحاصل، وتستوجب التزام منظمات المجتمع المدني ،هي لا تتعلق بالاحزاب فقط.

هذه الوحدة يقول منصر ان ما يعيق تحقيقها هو غياب رواية رسمية واضحة ضد الارهاب وعدم وضع الامر كاولوية من قبل مؤسسات الدولة علي غرار مجلس نواب الشعب، الذي قال عنه منصر انه منشغل بتمرير قوانين تخدم فئة اقتصادية محددة.
هذه العينة من الخلافات بين الاحزاب التونسية عن تحديد ما هو الاساسي في الحرب علي الارهاب تنعكس بصفة مباشرة على الخطط الموضوعة في الغرض، فالي اليوم وفي عامها الخامس لاتزال تونس تخوض حربها على الارهاب بمقاربة امنية وعسكرية فقط، بل وان حربها شابها الكثير من التخبط في ظل غياب شرطها الاساسي.

فالوحدة الوطنية ضد الارهاب، بعيدا عن منطق لا وحدة مع الخصوم السياسيين، شرط اسياسي، به يقع تجنب الوقوع في فخ التجاذب السياسي بشان قضايا اساسية، كالقضاء على الخطاب التكفيري في المساجد، اضافة الى تجنب الوقوع في الشعبوية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115