يتخاصمون على الكراسي و أثناء ذلك... أين تونس وأين نحن ؟

أسئلة عالقة بأذهاننا، وما لم تتمّ الإجابة الصريحة عنها فإنّ مصير هذه الحكومة المنتظرة لن يختلف عن مصير أخواتها:

وأهمّها، كيف يمكن الاهتداء إلى معادلة ، هي منطقية في سياسة أحزابنا ولكنّها مبنية على النشاز، وألخّصها في المسألة التالية « أن تكون الحكومة فاشلة ولكن وزراءها من الناجحين» . وعلى هذه المقاربة قامت الوزارات السابقة، حتى أنّ أعيننا تعوّدت على رؤية وزراء حكموا في الترويكا ثمّ أخرجوا للراحة وعادوا بعد ذلك إلى حكومات أخرى. ويحقّ لنا أن نتساءل عن الأسباب التي دفعت الحكومات السابقة إلى إقالتها، وهل هي نفس الأسباب التي يراها الناس والخبراء أم تخضع لاعتبارات حزبية ليس لنا فيها ناقة ولا جمل؟ وهل إنّ ما يبلغنا من تصريحات ممّن يتلذّذ بالمنّ به علينا بعض « القادة» من الأحزاب يعبّر فعلا عن وعي بحال البلاد والعباد؟ تصرّفاتهم توحي للشعب البسيط بأنّ التدهور الاقتصادي والاجتماعي ليس سوى أكذوبة و أنّ حالنا أفضل حال. وجدنا أنفسنا في ساحةِ نَدبِ الحظّ وحيدين، والآخرون يزايدون في أسماء أحلافهم ومنخرطيهم ، فهذا يصرخ بأنّ حقّه في الحقائب مهضوم.. والآخر يتساءل في استنكار عن كيفية الحكم وتسيير الدولة بكفاءات مستقلّة وهو المغيّب في التشكيلة.. وبعض من الوزراء المنتهية صلاحيتهم يوظّفون أقلاما لتسريب أسمائهم ضمن التركيبة الجديدة.. وهذا آخر ينادي في القوم بأنّ برنامجه لم يكتمل بعد... وكأنّ الأمور طيبة أو عادية.. هذه من الأسباب الجوهرية التي تجعل التونسي العادي لا يتفاعل مع ما يتداول من أخبار في الوضع المتدهور الذي تسير إليه البلاد.. ومن أهمّ الأسباب أيضا التي تدفعه إلى اللامبالاة فيقصي نفسه بنفسه من المشاكل اليومية التي تتعقّد يوما بعد آخر..

والسؤال الذي أوجّهه إلى رئيس الحكومة المكلّف: هل فعلا وضعنا مقلق؟ وهل هو مقتنع أنّ مقاربة هذه الأحزاب ستنقذنا من الخراب؟ بل هل إنّ الاحتماء بظلال هذه الأحزاب ستحميه هو وحكومته وستحمينا نحن ممّا ينتظرنا من مشاكل؟ وهل بهذه المقاربة أنت مؤمن بأنّ لك من يسندك من الشعب الكريم إذا التفّت الساق بالساق؟ ألقي بهذه الأسئلة وأنا أردّد في داخلي سؤالا آخر ، هل إنّ هذه الأحزاب لها من القدرة يوم الصدمة على أن تحمي نفسها أصلا؟ بل أليس ما نحن فيه من حال هو وليد «خيارات» هذه الأحزاب طيلة خمس سنوات .. أحزاب تتلهّى بمصيرنا وجرّبت جميع الألعاب فينا.. أحزاب لم تدرك بعد أنّه لم يعد في البلاد ما ستتلهّى به.. وأنّ مهمّة الحكومة الجديدة إنّما في تصليح الخراب الذي اقترفته هي.. وحماية هذا الوطن من المخاطر التي كانت هي السبب فيها : مخاطر الفقر المتزايد.. وتباين الطبقات الاجتماعية.. خطر الصمود في وجه الإرهاب بعد أن خلعت له الترويكا الأبواب والنوافذ.. خطر التدهور الاقتصادي المجسّم في تهاوي الدينار يوما بعد آخر... خطر الجهلة بعد أن رويت منابعهم بالتطرّف.. وصار كلّ جاهل رافعا عصا التهديد والعنف بدعوى نشر الحق... خطر التخاذل الذي صار يسري في عروق الناس بكهولهم وشبابهم.. فصار القوي ينتهك الضعيف..

وبدأت الإدارة تستقيل شيئا فشيئا عن دورها.... الأخطار تتوالد كلّ لحظة.. وهؤلاء يختصمون وينهشون ما تبقّى من قطعة خبز يابسة لو قضموها بأسنانهم لقلعتها.. فعن أيّة حكومة بهذا الشكل تتحدّثون؟ هل ستكون بحقّ حكومة إنقاذ ومن سيسهم فيها وزراء عبّروا في مشاركاتهم الوزارية عن فشلهم؟ بل فيهم من أثار البلبلة.. وبتنطّعه كاد أن يزيد الأمور تعقيدا ويهب أبناءنا إلى المتأدلجين لقمة سائغة لولا ألطاف الله.

مهمّتك سيدي صعبة ودقيقة: فهل أنت قادر على الصمود أمام هذه التيارات التي تريد كلّ شيء مع أنّها تعلم جيّدا أنّه لم يبق لك أيّ شيء تقدّمه لها؟ هل لديك من القدرة ما يسمح لك بفرض مشروعك في إنقاذ البلاد؟ هذا إن كان ما قلته لنا في أوّل تصريح اختزالا لمشروعك. حكومتك لن تكون ناجحة إلاّ إذا كانت حكومة حرب: حرب على الفقر والفساد والإرهاب والجهل.. حكومة ناجحة إذا كانت مختزَلة .. وكفانا إهدارا للمال العام فمطمورتنا فارغة.. وعليك إن عزمت على النجاح أن تربح ثقتنا نحن شعبك.. فعندئذ لن تجد سوى من يُعينك على هذا الحمل الثقيل.. أمّا إن بقيت دار لقمان على حالها.. إن جمعت حولك الأحزاب وأقصيتنا فعندئذ « لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم».. لا تقصي من اعتبرك سيدي من عزف عن التصويت .. فنسبتهم تفوق من شارك في التصويت. فهؤلاء رفضوا المشاركة لغياب الثقة في مستقبل مطمئن.. فلتُعِد انت فيهم الثقة.. لأنّ دواليب النجاح والفشل بأيديهم هم دون سواهم.. عليك أن تكون رمزا لهذا الشباب.. ولتصدع برأيك وتصمّ آذانهم بحبّك لتونس.. ولا يهمّك إن رفضوك فمستقبلك أمامك ولتُرجع لشعبك صورة الأمل في غد أفضل..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115