تحليل إخباري: في اختيار رئيس حكومة الوحدة الوطنية حتّى لا نكرّر نفس التجربة ونفس الخطأ

اليوم وبعد أن أصبح الإمضاء على وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية مسألة حاصلة مع إدخال بعض تعديلات الساعات الأخيرة انتقلنا (أو عدنا) إلى المسألة المحورية: من سيكون رئيس حكومة الوحدة الوطنية؟..


يعتقد بعضهم – داخل حوار القصر الرئاسي وخارجه – أن المسألة مازالت سابقة لأوانها وأن المطروح اليوم بعد التوافق على الأولويات مناقشة هيكلة هذه الحكومة وفلسفة تشكيلها فيما بعد... ولكن هنا نصطدم بمفارقة بين عقلانيتين مختلفتين، تقوم الأولى على مبدإ التدرج: الأولويات فالهيكلة ثم تشكيل الحكومة وتقوم الثانية على تناسق الفعل السياسي وانسجامه مع نص وروح الدستور الذي يقتضي بأن الهيكلة وتعيين الوزراء مسألتان تعودان إلى الاختصاص الحصري لرئيس الحكومة وبالتالي لا يمكن لأحد أن يناقش هيكلة الحكومة القادمة في ظل غياب رئيسها غير المعيّن بعد...

فالواضح أن نوعا من التزامن ينبغي أن يحصل بين إتمام مسار حكومة الوحدة الوطنية وتعيين رئيسها الجديد واستقالة (أو سحب الثقة) رئيس الحكومة الحالي وتلازم هذه المسارات الثلاثة هو الذي يعقّد المرحلة الحالية ويجعل من كل تقدم في اتجاه واحد غير مفيد بل وقد يضر بسلامة المسار ذاته...

لقد حمّل رئيس الجمهورية أحزاب الحكم الأربعة وبقية الأحزاب والمنظمات الاجتماعية الممضية على وثيقة الأولويات مسؤولية إدارة ملف حكومة الحبيب الصيد وأن رئيس الجمهورية لن يتدخل لفرض حلّ سياسي (استقالة) أو حل دستوري (عرض الثقة) خاصّة وأن على هذه الأطراف تحمّل مسؤولياتها كاملة لإنهاء ملف الحكومة الحالية...

كلّ المؤشرات تفيد اليوم بأن هنالك اشتغالا داخل أروقة قصر قرطاج وخارجها من أجل الظفر بــ«العصفور النادر» الذي بإمكانه رئاسة حكومة الوحدة الوطنية...

ولسنا ندري هل بدأ البحث عن الأشخاص وفق منهجية خاصة أم لا؟ وهل وُضعت المواصفات الضرورية له على طاولة البحث أم بقينا كالعادة نختار وفق مبدإ «عليك وإلا على البيس»..

وأيّا كان الحال فلا شك أن معايير معينة تتحكم في اختيار صاحب القصبة الجديد.. معايير تراوح بين الخصال الذاتية والتموقع السياسي والعلاقة الشخصية القائمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الموعود...

لا يشك أحد في أن منظومة الحكم الحالية تلعب ورقتها الأخيرة مع حكومة الوحدة الوطنية وأن فشل هذه الورقة سيعني ضرورة فشل المنظومة بأسرها... والواضح أن شخص رئيس الحكومة الجديد ستكون محددة بنسبة هامة في مآلات النجاح والفشل...

تسريبات كثيرة تتحدث عن البحث عن شخصية تقلدت مناصب وزارية أو ديبلوماسية قبل الثورة في اعتقاد – نعتبره خاطئا تماما – بأن وحدهم رجال العهد القديم الذين لم يتورطوا في الفساد هم القادرون على إنجاح هذه المرحلة الدقيقة المحتاجة إلى الخبرة والعزم والقرار...

يبدو أننا مغرمون في تونس بتكرار نفس الأخطاء وكذلك سرعان ما ننسى ما قررناه في الماضي القريب... أفلم يكن اختيار الحبيب الصيد بداية سنة 2015 مبنيا على نفس هذه الرؤية؟ إذا لِمَ إعادة نفس الخطأ؟ قد يظن بعضهم أن المسألة تتعلق أساسا بالمزايا الشخصية لكل فرد وبالتالي فلا معنى للمعيار العام (تجربة حكم قبل الثورة) في نجاح أو فشل رئيس الحكومة الجديد....

لا ننكر دور الأفراد وقيمتهم الذاتية ولكن ما لا ينبغي الاستهانة به هو قوة تأثير المنظومة وإدراك أن تونس 2016 لا علاقة لها البتة بتونس ثمانينات أو تسعينات القرن الماضي وأن ما كان يُعتبر حينها نجاحا ليس ضمانا بالمرة للنجاح اليوم وأن الخطأ مع أجيال الثورة أفضل بكثير من الخطإ مع الأجيال التي سبقتها ذهنيا وسياسيا...

بعبارة أخرى تونس تحتاج اليوم لمن يؤمن بثورتها ويراهن عليها ويُرَشّد سبل تعبيرها بدل من وصل إليها ....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115