الخطاب السياسي للرئيس ولـ«مفسريه» : في منح الحكم للسلطة وإلقاء المسؤولية على الشعب

تَهطُل التصريحات الرسمية الصادرة عن مؤسسات الدولة سواء من رئاسة الجمهورية او من الحكومة لتضفى واقعا سياسيا جديدا عماده ان من يحكم البلاد

لا ولن يتحمل اية مسؤولية عما ينتهج من خيارات او سياسات عمومية. هذا الواقع يشرحه «المفسرون» المكلفون بتفسير البناء السياسي الجديد وبان الشعب هو الذي يحكم وهو المسؤول عما يقرره من سياسيات.
«الشعب يريد» هو الشعار الذي رفعه رئيس الجمهورية قيس سعيد في حملته الانتخابية سنة 2019 واستمر يردده في اطار ثنائية الرئيس/الشعب ليضفي على قراراته صيغة شعبية ويقدمها على انها نتاج لإرادة الشعب لا لإرادة الرئيس. ولكن هذا الشعار تجاوز مع الرئيس مجرد اقتران الارادات او تماهيها. بل اعلن عن كيفية توزيع الحكم ومسؤوليته.

في خطابه في مستشفى الرابطة لدى زيارته له او في كلمته لدى ترؤسه للجلسة التأسيسية لأول شركة اهلية ببني خيار، حرص الرئيس على ان يحمل خطابه اعادة رسم لمشهد الحكم وما تحيط به. فما يلمح اليه الرئيس من ان الحلول والخيارات تنبع اليوم من القاعدة لا من السلطة المركزية وعليه فان هذه الخيارات يتحمل مسؤوليتها الشعب الذي وجب عليه ان يكون يقظا ومراقبا ومستعدا لسحب الوكالة ممن منحهم صوته فخانوه.

مسؤولية تلقى بكَلْكَلِهَا على الشعب الذي يقدم في سردية البناء الجديد/ القاعدي على انه صاحب السلطة والقرار وهو الذي سيعاقب افراده اذا اخلوا بتعهداتهم معه بآلية سحب الوكالة. هذه الالية التي تقدمها الرئاسة على انها حل جذري لازمة ممثلي الشعب في المجالس السياسية او في هيئات الشركات الاهلية كاحد الاليات القانونية التي طالما اعلنت السلطة التنفيذية وهي هنا الرئاسة عن ان دورها هي تقديمها للشعب.

ففي خطابه كمرشح للرئاسية او كرئيس للجمهورية ردد الرئيس انه في طور منح الشعب الاليات الدستورية والقانونية لتحقيق سيادته السياسية او الاقتصادية والاجتماعية ضد لوبيات الفساد المالي أو السياسي التي استولت على ثرواته وثورته.

اليات وأدوات هي كل ما تعرضه السلطة وما يتعهّد به «مفسروها» للشعب. فهم يعلنون ان دورهم ان يقدّموا للتونسيين الاطار القانوني والآليات اللازمة لرسم السياسات التنموية وتحديد الأولويات المحلية والجهوية ووضع ما يناسبه من قرارات يكلف ممثليه ليطبقوها واذا لم يفعلوا فان الحل في ما قاله الرئيس في بني خيار «منحتك صوتي لتمثلي وسأسحب منك الثقة إذا لم تتحمل الامانة». وهنا يرمز الرئيس الى ان الخيارات النابعة من القاعدة اي الشعب هي البرنامج الذي وجب تنفيذه والا فان مصير من اختير ليمثل الشعب او ابناء الجهة سحب الوكالة منه وللمفارقة فان الرئيس تحدث عن هذا بعد ان اشار الى ان الادارة التونسية ستكون الجهة التحكيمية وهي التي ستقرر اي سياسات تنموية ستطبق دون ان يشير ولو تلميحا الى ان هذه القرارات التحكمية قد تكون موضوع مساءلة.

ما قاله الرئيس في بني خيار من ولاية نابل وهو يشرح فوائد الشركت الاهلية وارتباطها بمشروعه للبناء القاعدي، بشكل موجز هو ان ابناء الجهات والمحليات سيلقى على عاتقهم ان يحددوا اولويات التنمية وان يقدموا مصادر تمويل هذه المشاريع وان يساهموا فيها سيادته دون اي مسؤولية للسلطة التنفيذية مركزيا او جهويا غير لعب دور «الحكم». اي ان ادارة الشأن العام ورسم الخيارات باتت اليوم مسؤولية التونسيين محليا وجهويا ووطنيا وعليهم ان يتحملوا هذه المسؤولية دون ان تكون لهم فعليا ادوات الحكم او صلاحيته التي استأثرت بها السلطة التشريعية ومن خلفها الادارة دون ان تحمل اية مسوؤلية او خضوع للمساءلة والمراقبة.

هذه المفارقة تبرز اكثر في خطاب انصار الرئيس وفريق المتطوعين المحيطين به. فهم يعلنون بشكل مباشر وصريح ان الشعب هو المسوؤل امامهم ايا كان موقعهم في الحكم ومحيطه فهم غير مسؤولين الا عن تمكين الشعب من الادوات القانونية.
خطاب مراوغ ظاهره ان الشعب سيكون صاحب السلطة والسيادة ولكن حقيقته ان الحكم سيكون مغانم ومسؤولية، مغانم تظفر بها السلطة التنفيذية ومن تراه مناسبا ومسؤولية تلقى بأكملها على الشعب الذي لن يجد من يسائل غير افراده الذين منحت لهم اليات وأدوات قانونية لحمل عبء ادارة الشان العام وتحمل تبعات اي فشل يحدث.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115