تحليل إخباري: على هامش القانون الانتخابي الجديد: استراتيجية طاردة للمواطنة وللنساء وللأحزاب

وأخيرا صدر القانون الانتخابي الجديد المتعلق بمجلس نواب الشعب دون ادنى تشاركية ودون حوار وطني قبلي ضروري من اجل التعديل والإصلاح ..

قانون يحمل في طياته عناصر أساسية من إيديولوجيا البناء القاعدي قانون ستكون من ضحاياه الأولى: المواطنة والنساء والأحزاب ..
لا يكمن الإشكال في نظام الاقتراع (على الافراد) بل في الخلفية الأيديولوجية التي تسنده..

ينبغي أن نقول منذ البداية أننا لم نتبن نظام الاقتراع على الافراد الموجود في بعض الديمقراطيات الغربية كفرنسا والمملكة المتحدة على سبيل المثال لان الانتخابات التشريعية في كل الديمقراطيات هي انتخابات على الأحزاب والائتلافات الحزبية سواء أكان ذلك في الدوائر الفردية في نظام القائمات وبالأغلبية او النسبية، بينما ذهبنا الى نظام يهمش الى الأقصى دور الأحزاب ولا يتعامل مع المترشحين وغدا مع الفائزين إلا باعتبارهم افرادا لا رابط بينهم ..
لقد كانت البداية مع الدستور الجديد حيث ألغي الفصل الذي يعتبر النائب نائبا عن الامة (دستور 1959) او نائبا عن الشعب دستور 2014) ليكون فقط نائبا عن دائرته ..

لقد غيبت المنظومة الدستورية والقانونية لسنة 2022 فكرة أن البرلمان هو الاطار المؤسساتي لصراع وحوار الأفكار والمشاريع والتصورات التي تهم الشأن العام في كليته وحصرته فقط في جزئياته المحلية بتعلة تخليص المترشحين من تحكم قياداتهم السياسية فيهم فاصبحنا امام مجموعة متناثرة من الافراد لا جامع بينهم ولا رؤية توحدهم ولا مشاريع وطنية كبرى يحملونها.. إنه الموت البطيء للسياسة بانتزاعها تدريجيا من الفضاء العام وبجعلها اختصاصا تقنيا وحصريا للسلطة التنفيذية..

لقد كان بالإمكان تغيير نظام الاقتراع مع المحافظة على تدعيم التناصف، كذلك كان النظام الذي اقترحه سابقا العميد الصادق بلعيد والقاضي بتقسيم البلاد الى دوائر ثنائية العدد ويكون المترشحون حصريا في قائمات ثنائية تتكون من امرأة ورجل وتفوز القائمة الأولى بهذا الثنائي بما يعطينا برلمانا تمثل النساء فيه نصف النواب ..

لقد كان بالإمكان اعتماد هذا المقترح، لكن هنالك حرص على مبدإ أيديولوجي (الاقتراع على الافراد) سيؤدي حتما الى تغييب شبه كلي للنساء في البرلمان القادم في حين ان الدولة التزمت في الدستور الجديد بالعمل على دعم التناصف في المؤسسات المنتخبة .
كان بالإمكان المحافظة الفعلية على مبدإ التناصف حتى في دوائر فردية لو سمح للأحزاب بلعب دور جوهري في هذه الانتخابات وحينها كان يمكن ان يفرض عليها تحقيق التناصف الافقي أي ان تقدم على 161 مترشحا ما لا يقل عن 80 امرأة.

لاشك ان القانون الانتخابي الجديد لا يقصي الاحزاب صراحة وبوضوح ولكنه لا يوفر لها أي فضاء او أي مجال في هذه المنظومة الانتخابية فالترشح فردي وورقة الاقتراع تتضمن أسماء المترشحين فقط وفق ما يفهم من النص ولا نخال ان هيئة الانتخابات ستسمح للمترشحين في ملصقاتهم الرسمية او في حصص التعبير المباشر في الاعلام السمعي والبصري العمومي بإظهار اليافطات الحزبية والقيام بالدعاية للأحزاب التي نتمون اليها..

القانون الانتخابي لم يمنع صراحة الأحزاب من التسلل الى البرلمان ولكنه لا يعيرها اي اهتمام ولا يجعل منها الاطار الأمثل للنقاش الديمقراطي في القضايا الوطنية الكبرى فنحن امام تهميش مخطط له لدور الأحزاب واذا ما اضفنا اليه تعبير مكونات حزبية أساسية عن نيتها مقاطعة انتخابات 17 ديسمبر 2022 أصبحت النتيجة واضحة : البرلمان القادم سيكون بلا نساء وبلا أحزاب وبلا نقاش سياسي عام وبلا كتل على أساس تصورات وطنية تتجاوز المحلي.. وحتى إذا وجدت استثناءات في هذه الابعاد الثلاثة فهي الاستثناءات التي تؤكد القاعدة .
خلاصة القول سوف يتمدد البناء القاعدي في لبّ مؤسسات الدولة ليفرغها من السياسة ليجعلها احتكارا حصريا لراس السلطة التنفيذية.
ولكن لكل تمدد ولكل استئثار نتائجهما العكسية ليس اقلها ضرب فكرة المواطنة في مقتل وتأخير تعصير المجتمع وتحديثه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115