الدستور: العقد السياسي في تونس من الإيالة إلى الجمهورية‎‎

العقد السياسي في تونس ،الدستور.. ،تواصل هذا المفهوم المتعاقب تعاقب الحضارات على بلادنا ليقترن في رمزيته التاريخية السياسية بحضارة قرطاج

التي وضعت دستورا يقنن علاقة الحاكم بالمحكوم منذ القرن الثالث قبل الميلاد ، وقد ذكره ارسطو في كتابه «السياسة» ليقول ان هذا الدستور» يمنع حصول الاستبداد ووقوع الفتنة»، مما يرسخ البعد الحضاري لفكرة الدستور في تونس على امتداد التاريخ من قرطاجنة الى حدّ اليوم.
وقد فرض التاريخ الحضاري لتونس تحديد العلاقة بين السلطة والشعب في اطار عقد سياسي صاغ ملامحه وعبر عنه المفكر المصلح خير الدين التونسي في مقدمة كتابه اقوم المسالك في معرفة احوال الممالك ب»الكونستيتوسيون» ،حيث ساند صياغة اول دستور في العالم العربي الاسلامي وهو الدستور التونسي لسنة 1861

• دستور تونس لسنة1861
مثل الدستور التونسي لسنة 1861 وفيه 13 بابا و114 فصلا ترجمة وتفصيلا لمبادئ عهد الامان المعلن في 1857 حيث تعلق الباب الاول بقانون ال بيت المملكة الحسينيين وفيه 8 فصول حددت شروط من يتقدم من البيت الحسيني لولاية المملكة انذاك
وبين الباب الثاني ما للملك من حقوق وما عليه بخصوص سياسة المملكة بمعية اهل الحل والعقد وترتيب الوزارات والمجلس الاكبر ومجالس الحكم في الباب الثالث وفي دخل الدولة وترتيب خدمة الوزارات بالبابين الرابع والخامس.
وتمحور الباب السادس حول ترتيب اعضاء المجلس الاكبر وشروطه وخدمة المجلس الاكبر بالباب السابع بينما فصل الباب الثامن الجنايات التي تصدر من متوظفي الدولة حال مباشرتهم لخدمتهم وغير ذلك وضبط الباب التاسع مدخول الدولة ومصروفها
ونص الباب العاشر على ذكر مراقب الولايات بينما تعلق الباب 11 بالمتوظفين على الاطلاق وما لهم وما عليهم وغير ذلك والباب 12 في ما لاهل المملكة التونسية من الحقوق وما عليهم ليختم الدستور بالباب 13 الذي ضبط ما لرعايا الدول الاحباب القاطنين بالمملكة التونسية من الحقوق وما عليهم وقد علق الصادق باي العمل بهذا الدستور سنة 1864 اثر اندلاع ثورة علي بن غذاهم ولم تعد السلطات الفرنسية تفعيل هذا الدستور ابان فرض حمايتها على تونس سنة 1881

• دستور الجمهورية التونسية لسنة 1959 في فجر الاستقلال
هو الدستور الذي صدر في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة والغى النظام الملكي واعلن تونس دولة جمهورية، حيث تم انتخاب اعضاء المجلس القومي التاسيسي بعد ايام من الاستقلال وعهد إليهم بمهمة كتابة دستور لتونس المستقلة.
واشتمل دستور الجمهورية الاولى على توطئة وعشرة ابواب و64 فصلا ضبطت بمقتضاها الأحكام العامة والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والمحكمة العليا ومجلس الدولة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والجماعات المحلية في حين تعلق الباب التاسع بتنقيح الدستور والباب العاشر بالاحكام الانتقالية

• التعديلات التي ادخلت على نص دستور 1959 الى سنة 1987
تمثلت اهم التعديلات لنص دستور 1959 في القوانين الدستورية عدد 23 لسنة 1965 وعدد 23 لسنة 1967 المنقحة للفصل 29 من الدستور وعدد 63 لسنة 1967 المعدل للفصل 51 وعدد 37 لسنة 1976 المنقح والمتمم لدستور غرة جوان 1959 والقانون الدستوري عدد 47 لسنة 1981 المنقح لبعض الفصول المتعلقة بتغيير تسمية «مجلس الامة» ب»مجلس النواب».
وتضمن نص دستور 1959، بعد التنقيحات التي لحقته، توطئة و9ابواب و74 فصلا ليشكل ادخال نظام الرئاسة مدى الحياة من خلال القانون الدستوري عدد 13 لسنة 1975 المنقح للفصلين 40 و51 من الدستور نقضا لروح الدستور

• دستور 1959 بالتعديلات التي ادخلت عليه بعد 1987
تضمن نص الدستور اثر التعديلات التي اقحمت عليه بعد 1987 توطئة و10 ابواب و78 فصلا حيث صدر القانون الدستوري عدد 88 لسنة 1988 الذي يلغي الرئاسة مدى الحياة ويتضمن اعادة تجديد ترشيح رئيس الجمهورية مرتين متتاليتين
وفي سنة 1999 اقحم على الدستور تعديلا جديدا الغي بموجبه الحد الاقصى للتجديد لينظم بعد ذلك الاستفتاء «المزعوم» سنة 2002 والذي تضمن التمهيد لعودة نظام الرئاسة مدى الحياة بعد اعادة تنقيح الفصل 39 لينص على عبارة»يجوز لرئيس الجمهورية ان يجدد ترشحه» دون تحديد وتنقيح الفصل 40 المحدد لسن الترشح

• دستور الجمهورية الثانية، 26 جانفي 2014
تم التصويت على الدستور التونسي الجديد في 26 جانفي 2014 باغلبية ساحقة لنواب المجلس الوطني التاسيسي
وتضمن الدستور الجديد توطئة نصت على تحقيق اهداف ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011 والقطع مع الظلم والحيف والفساد
كما تم التنصيص في التوطئة على القيم الانسانية ومبادئ حقوق الانسان الكونية السامية والتاسيس لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي في اطار دولة مدنية تكون السيادة فيها للشعب.
واشتمل الدستور الحالي على 149 فصلا تعلقت في الباب الاول بالمبادئ العامة حيث تم التنصيص على ان تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها.
وتنص الفصول الواردة في الباب الثاني حول الحقوق والحريات بالخصوص على ضمان الحقوق والحريات الفردية والعامة والحريات الاكاديمية وحرية الراي والفكر والتعبير والاعلام وتكوين الاحزاب والنقابات والجمعيات والحق في الثقافة وحرية الابداع.
واتصل الباب الثالث والرابع والخامس بالسلطة التشريعية وما نصت عليه من النصوص التي اتخذت شكل القوانين العادية والنصوص التي تتخذ شكل قوانين اساسية والسلطة التنفيذية وما ورد فيها من فصول تحدد مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته وتضبط مهام رئيس الحكومة ودوائر اختصاصاته والسلطة القضائية في اقسامها العدلية والادارية والمالية فضلا عن المحكمة الدستورية.
أما الباب السادس فقد تعلق بالهيئات الدستورية المستقلة التي تخص هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الانسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الاجيال القادمة وحقوق الاجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
وتعلق كل من الباب السابع بالسلطة المحلية والباب الثامن بتعديل الدستور والباب التاسع بالاحكام الختامية ،في حين تم تخصيص الباب العاشر للاحكام الانتقالية التي حددت احكام الفصول ضمن التنظيم المؤقت للسلط العمومية التي يتواصل العمل بها والاحكام التي تدخل حيز النفاذ.
وقد تولت عديد الهيئات و مكونات المجتمع المدني بعد الثورة صياغة وتصور مشاريع دستور جديد لتونس، على غرار مشروع الدستور الذي اقترحته هيئة الخبراء باشراف استاذ القانون الدستوري ورئيس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة، عياض بن عاشور في 2011 ومشروع الدستور المقدم من الاتحاد العام التونسي للشغل ومشروع الدستور الذي اقترحته شبكة دستورنا.

• دستور الجمهورية الجديدة.. من الاستثناء الى الاستفتاء
25 جويلية 2021، يظل منعرجا فارقا في تاريخ تونس الحديثة عقب اقرار رئيس الجمهورية تدابير استثنائية وتعليق اعمال البرلمان ثم حله ، وتغيير القوانين المنظمة للمجلس الاعلى للقضاء وهيئة الانتخابات ووضع دستورالجمهورية الجديدة والمرور الى الاستفتاء وهوما تجسد يوم 25 جويلية الحالي حيث توجّه التونسيون لمكاتب الاقتراع للتصويت على مشروع هذا الدستور.
كما اقر سعيد تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة موفى السنة الحالية، وذلك وسط تباين في المواقف وتجاذبات بين الرافضين والمعارضين لهذا النهج الذي وصفوه ب»الانقلاب» على الثورة ، و الداعمين والمؤيدين له لايقاف نزيف ما قال عنه قيس سعيد الخطر الداهم.
الدستور الجديد تضمن توطئة نصت بالخصوص على ان تصحيح مسار الثورة يوم 25 جويلية 2021 من باب المسؤولية التاريخية ازاء استفحال الفساد والسطو على المال العام دون محاسبة ،وضمنت سعي الشعب التونسي بهذا الدستور الجديد الى تحقيق العدل والحرية والكرامة وتحقيق الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالاضاافة الى تاكيد الانتماء للامة العربية والتمسك بالشرعية الدولية وبالابعاد الانسانية للدين الاسلامي والانتماء للقارة الافريقية واقامة نظام سياسي يقوم على الفصل بين الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية.
كما تضمن دستور الجمهورية الجديدة 142 فصلا نصت في الباب الاول/احكام عامة/ بالخصوص على ان تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة وموحدة وهي جزء من الامة الاسلامية والعربية والمغرب العربي الكبير ، نظامها جمهوري والعربية لغتها الرسمية والشعب التونسي هو صاحب السيادة.
ونصت فصول الدستور في الباب الثاني حول/ الحقوق والحريات/ على ضمان الدولة للحقوق والحريات الفردية والعامة للمواطنين وحرية المعتقد والضمير والراي والفكر والتعبير والاعلام والنشر والحق في الثقافة والاعلام والحق في النفاذ الى المعلومة وحرية تكوين الاحزاب والنقابات، فضلا عن تحجير سحب الجنسية التونسية من أي مواطن.

وتعلق الباب الثالث بالوظيفة التشريعية، حيث ينص الفصل 56 على تفويض الشعب الوظيفة التشريعية لمجلس نيابي اول يسمى مجلس نواب الشعب ولمجلس نيابي ثان يسمى المجلس الوطني للجهات والاقاليم، كما اتصلت الفصول بمسالة المعاهدات والقوانين الاساسية المتعلقة بالخصوص بتنظيم العدالة والقضاء والاعلام والصحافة والنشر والاحزاب والجمعيات والنقابات والمنظمات والجيش الوطني وقوات الامن الداخلي والديوانة والقانون الانتخابي...
أما الباب الرابع فقد اتصل بالوظيفة التنفيذية التي يمارسها رئيس الجمهورية المنتخب لمدة خمسة اعوام بمساعدة حكومة يراسها رئيس الحكومة، وبالوظيفة القضائية التي تنقسم الى قضاء عدلي واداري ومالي وما ورد من فصول متعلقة بتسمية القضاة واستقلالية وظيفة القضاء
وتعلق الباب الخامس بالمحكمة الدستورية، حيث تم التنصيص على انها هيئة قضائية مستقلة تختص بالنظر في مراقبة دستورية القوانين والمعاهدات التي يعرضها رئيس الجمهورية قبل ختم قانون الموافقة عليها واجراءات ومشاريع تنقيح الدستور
كما اتصل الباب السادس بالجماعات المحلية والجهوية والباب السابع بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتعلق الباب الثامن بالمجلس الاعلى للتربية والتعليم والباب التاسع بتنقيح الدستور والباب العاشر بالاحكام الانتقالية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115