لقاء رئيس الجمهورية مع الوفد الرسمي الامريكي: ماهي خطوة الرئيس القادمة؟

ليلة الجمعة الفارط لم يكن الحدث السياسي في تونس لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد بوفد اميركي رفيع المستوى نقل اليه رسالة

من الرئيس بايدن. بل كان الاختلاف بين بيانات الطرفين: التونسي والامريكي. مما دفع بالبعض الى قراءة الامر كل وفق رغبته وتموقعه في غفلة عن جملة من الحقائق.
نشرت الصفحة الرسية لرئاسة الجمهورية مساء الجمعة الفارط بلاغا صحفيا اعلنت فيه ان رئيس الجمهورية قيس سعيّد استقبل في قصر قرطاج، وفدا رسميا أمريكيا ترأسّه جوناثان فاينر، مساعد مستشار الأمن القومي الذي حمل رسالة خطية موجّهة إلى رئيس الدولة من قبل بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
بلاغ اشار الى مضمون اللقاء وقدمه من وجهة نظر الرئاسة وما استخلصته منه، ليعلن عن ان الرئيس ذكّر بأن التدابير الاستثنائية تندرج في إطارالدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة. وهنا حذّر الرئيس من محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس وذلك في اشارة الى لجوء حركة النهضة الى عقود «اللوبينغ» للتأثير في الراي العام وصناع القرار في امريكا.
لدحض محاولات تقديم الامر على انه انقلاب شدد الرئيس سعيد للوفد الزائر على «أنه لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية» فالرئيس «تبنى إرادة الشعب وقضاياه ومشاغله» كما ان تونس ستظل بلدا معتدلا ومنفتحا ومتشبثا بشراكاته الاستراتيجية مع أصدقائه التاريخيين.
هنا يتضح ان الرئاسة حرصت على تقديم اللقاء ومخرجاته بما يتناسب مع سرديتها السياسية التي تلمح الى انها وجدت صدى لدى الوفد الزائر الذي نقلت على لسانه قوله بان الادارة الامريكية ورئيسها يتابعان تطور الأوضاع في بلادنا، ويعلمان حجم ونوعية التحديات التي تواجهها وهما متمسّكان بصداقتهما الاستراتيجية مع تونس ودعم المسار الديمقراطي فيها، ويتطلعان إلى الخطوات المقبلة التي سيتخذها رئيس الجمهورية على المستويين الحكومي والسياسي.
هذا ما قدمه بلاغ الرئاسة، اما البيان الاعلامي الصادر عن الوفد الاميريكي فمضمونه مختلف من حيث الشكل بالاستناد للترجمة التي قدمتها السفارة الامريكية لبيان المتحدّثة باسم مجلس الأمن القوميّ الأمريكيّ إميلي هورن عن زيارة مسؤولين سامين في الإدارة إلى تونس.
بيان جاء فيه ان الوفد الامريكي سلم الرئس سعيد رسالة من الرئيس بايدن يؤكّد له فيها من جديد دعمه الشخصيّ ودعم إدارته للشعب التونسيّ ويحثّ فيها على عودة سريعة إلى مسار تونس كديمقراطيّة برلمانيّة.
واضاف البيان ان اللقاء كان للتباحث حول الحاجة الملحّة إلى تعيين رئيس حكومة مكلّف ليشكّل حكومة مقتدرة بإمكانها معالجة الأزمات الاقتصاديّة والصحّيّة العاجلة التي تواجهها تونس.
وهنا وقعت الاشارة الى ان هذه الحكومة عليها تحقيق الاستقرار الاقتصاديّ الذي من شأنه فسح المجال لعقد حوار شامل للجميع حول الإصلاحات الدستوريّة والانتخابيّة المقترحة استجابة للمطالب التي أعرب عنها العديد من التونسيّين لتحسين مستويات المعيشة وإرساء حوكمة نزيهة ناجعة شفّافة.
بيانان مختلفان للقاء واحد، تلقفهما جزء من الفاعليين التونسيين بما يتماشى وتموقعهم السياسي لتصبح قراءة البيانين وتحليل مضمونهما عملية تعكس رغبة اصحابها لا حقيقة الامر ووقائعه.
فالاختلاف بين البيانين واختيارات الرئاسة بدورها لإبراز عناصر وإغفال أخرى يقدم صورة اولية عن قراءة الرئاسة للزيارة وتوجهاتها في التعاطي معها، وهنا يتضح انها تعتبر ان الوفد والرسالة التي قدمت له تحمل دعما ضمنيا للرئيس او دعوات له بان يقوم بتوضيح مساره وخياراته، للداخل والخارج.
اختزال الرئاسة للزيارة والرسالة في كونها عنصر في المعادلة وله تاثير لا يعنى انها تقر بانها حاسمة ومحددة في الخيارات. فطبيعة العلاقة وتاريخها يجعلانها محدودة التاثير في اللعبة السياسية التونسية.
اضف الى هذا ان بيان الوفد الامريكي الذي كان حمال اوجه وتأويلات، لا يمكن قراءته بمعزل عن التطورات الفارطة وتصريحات الادارة الامريكية التي تبين ان «قلقها» مرتبط «بزئبقية المشهد»، اي انها تتخوف من عدم وضوح الخطوات القادمة للرئيس لا مما قام به.
وإذا وقع اخذ هذا في الحسبان فان فهم البيان الصادر عن الوفد يكون مختلفا ليتضح ان الوفد ومن خلفه الادارة الامريكية يرغبان في معرفة الخطوات القادمة للرئيس سعيد، وطالما ان هذه الخطوات تأخرت فأنهم يحثونه على ان يسرع بها، مع التوصية بان تكون خطواته حاسمة وقاطعة.
اي انهم يعارضون اي خطوة احادية قد تقدم عليها الرئاسة في علاقة بتغيير الدستور والقانون الانتخابي وهذا يتضح من التشديد على ضرورة الحوار قبل تغير نظام الحكم والقانون الانتخابي وجعل هذا مرتبطا بتكوين حكومة ابرز مهامها ادراة الملف الاقتصادي.
اي ان الولايات المتحدة الامريكية ترغب من الرئاسة في ان تسرع في خطوة الحكومة وتتمهل في ما يتعلق بخارطة الطريق والتغييرات الجذرية في المشهد التونسي. دون ان يعنى هذا ان لديها القدرة على فرض هذه التوصيات بالشكل الذي يسوقه البعض.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115