وإقالة حكومة المشيشي ورفع الحصانة عن النواب وتوليه السلطة التنفيذية بسبب وجود مخاطر عالية على الدولة، لتدخل بذلك البلاد في مرحلة مفصلية وفي مسار سياسي ودستوري جديد لا يُعرف مآله وآفاقه.
للخروج من حالة عدم اليقين ، ما انفكت المنظمات الوطنية الكبرى في تونس والمجتمع المدني تطالب بإقرار خارطة طريق تشاركية وواضحة المعالم تحدد أفق المرحلة الجديدة والإصلاحات السياسية والقانونية والاقتصادية المطلوبة والمنسجمة مع مطالب الحراك الشعبي.
رسائل إلى الداخل وإلى الخارج
ويراقب العالم التحولات الحاصلة في تونس وسط تباين في ردود الأفعال بين متوجس ومرحب . وفي محاولة لطمأنة المجتمع الدولي قام وزير الخارجية عثمان الجرندي بسلسلة اتصالات بوزراء خارجية كل من إيطاليا وفرنسا وتركيا وكاتب الدولة للشؤون الخارجية في ألمانيا ، بالإضافة لاتصالات مع وزراء خارجية السعودية والكويت ومصر. كما كانت للجرندي- بحسب بيان صادر عن الخارجية - اتصالات مع المفوضة السامية لحقوق الانسان والممثل السامي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن بالاتحاد الأوروبي والأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وقال الجرندي في بيان صحفي لوزارة الخارجية، «إن قرارات الرئيس قيس سعيد هدفها الحفاظ على المسار الديمقراطي وحماية المؤسسات الدستورية وتحقيق السلم الاجتماعي». وأكد الجرندي في مكالماته أن «هذه التدابير تهدف إلى التنظيم المؤقت للسلطة إلى حين زوال حالة الخطر الداهم على الدولة، مع ضمان كافة الحقوق والحريات وعدم المساس بها».
على صعيد متصل أجرى الجرندي، أيضا مكالمة هاتفية مع نظيره التركي، مولود جاوش أوغلو، أطلعه خلالها على تطورات الوضع في تونس ومضمون القرارات الأخيرة التي اتخذها رئيس الجمهوريّة، «حفاظا على استقرار البلاد ومؤسسات الدولة، وحمايتها في ضوء انسداد الأفق السياسي، وما انجر عنه من تحديات اقتصادية واجتماعية فاقمت من حدتها الأزمة الصحية الراهنة».
وذكرت الخارجية في بلاغ لها، أن وزير الخارجية التركي، أعرب من جهته، عن «حرص بلاده على أمن واستقرار تونس». وعبر أوغلو للجرندي عن «ثقته في قدرة تونس وشعبها على تجاوز هذا الظرف الدقيق، باعتبار الأسس المتينة التي انبنت عليها مؤسسات الدولة التونسية». كما أكد أوغلو، وفق المصدر ذاته على «وقوف تركيا ومساندتها لكل ما فيه مصلحة وخير الشعب التونسي وتحقيق تطلعاته».
وفي خضم التطورات السياسية المتسارعة التي تشهدها البلاد ، جاءت زيارة كل من وزيرا خارجية المغرب والجزائر ونقلا خلالها الوزيران رسائل إلى الرئيس سعيد من ملك المغرب محمد السادس ورئيس الجزائر عبد المجيد تبون، بحسب ما أفاد به بيان الرئاسة التونسية. وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة «نقلت إلى الرئيس رسالة شفاهية تندرج في إطار علاقات الأخوة والتضامن والعلاقات القوية بين الملك والرئيس قيس سعيد والشعبين المغربي والتونسي». في حين قال وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة «تبادلت المعلومات والتحاليل حول عدد من القضايا والقارية التي تهمنا».
وتابع العمامرة «تونس كانت دائما حليف للجزائر. والجزائر كذلك دولة شقيقة ترغب في بناء علاقات مثالية مع تونس. نحن ننطلق بقوة في سياق بناء مغاربي لتحقيق الهدف المنشود».
وقد سبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ان أجرى اتصالا هاتفيا مع سعيد، حول آخر مستجدات الأوضاع في تونس، دون مزيد من التفاصيل.
في حين ان بيان الخارجية الجزائرية أكد أن لعمامرة نقل رسالة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التي أكد فيها التزامه الراسخ بتعزيز أواصر الأخوة والتضامن والعلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين.
وحسب البيان «شكّل الاستقبال فرصة لتبادل وجهات النظر حول العلاقات الثنائية وآفاق تعزيزها من أجل تمكين البلدين من مواجهة التحديات المشتركة بشكل أكثر فاعلية، بما في ذلك تلك المتعلقة بجائحة كوفيد.19-
كما مثل اللقاء مناسبة للتطرق إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الوضع في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء وكذلك على مستوى العالم العربي».
هذا الحراك المغاربي تجاه ما يحصل في الخضراء يحمل مؤشرات عديدة من بينها أهمية تونس كبلد مجاور تجمعه بدول المنطقة علاقات تاريخية وجيوسياسية هامة وان هناك مصيرا مشتركا يحتّم على بلدان المنطقة التشاور في التحديات المشتركة . فيما رأي البعض الآخر ان هذه الزيارات تحمل رسائل دعم لتونس في مسارها الجديد .
اما عربيا ، فقد كان لافتا رد فعل المملكة السعودية التي أكدت انها «تثق» في القيادة التونسية في «تجاوز الظروف الحالية»، داعية المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب تونس . جاء ذلك في بيان للخارجية السعودية، يعد الثاني خلال يومين بخصوص «الأوضاع» في تونس، وأفادت الخارجية السعودية في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية بأن «الحكومة تتابع مجريات الأوضاع الحالية التي تشهدها تونس». وأضاف: «وإذ تحترم المملكة كل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي وتعده أمراً سيادياً، تؤكد وقوفها إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار تونس».
وتابعت» تؤكد الحكومة ثقتها في القيادة التونسية في تجاوز هذه الظروف وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي الشقيق وازدهاره».
ودعت الحكومة السعودية، «المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف لمواجهة تحدياتها الصحية والاقتصادية».
أمام على المستوى الأفريقي ، فقد اكد بيان صادر عن مفوضية الاتحاد الإفريقي، على الاحترام الصارم للدستور التونسي. وقالت المفوضية في بيان نشر على موقعها الإلكتروني، إن رئيس المفوضية موسى فكي، يراقب الوضع في تونس عن كثب. وأضافت أن رئيس المفوضية أجرى في هذا الصدد اتصالا هاتفية مع وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي.
وأعرب فكي، عن التزام المفوضية بالاحترام الصارم للدستور التونسي، والحفاظ على السلام الضروري، ورفض جميع أشكال العنف وتعزيز الحوار السياسي لحل المشاكل المطروحة، وضرورة الاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب التونسي وخاصة شبابه.
تأكيد على صون «استقرار تونس وديمقراطيتها»
وفي ما يتعلق بالمواقف الدولية المتواصلة بشأن المرحلة الاستثنائية التي تعيشها بلادنا، أكدت بريطانيا أن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس ستساعد في حل أسوإ أزمة سياسية تشهدها البلاد منذ نحو عشر سنوات.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان «نعتقد بأنه لا يمكن إيجاد حل للتحديات الراهنة في تونس إلا من خلال مبادئ الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان وحرية التعبير». يشار الى ان سبق لوزير الخارجية الأمريكي توني ج. بلينكن ان تحدث مع الرئيس قيس سعيد ، وأكّد الوزير على» الشراكة القوية للولايات المتحدة ودعمها المستمر للشعب التونسي في مواجهته للتحديات المزدوجة المتمثلة في الأزمة الاقتصادية ووباء كوفيد -19. وشجّع الوزيرُ الرئيسَ سعيد على التمسك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تشكّل أساس الحكم في تونس. وحثّ الوزير الرئيس سعيد على الحفاظ على حوار مفتوح مع جميع الفاعلين السياسيين والشعب التونسي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة الوضع والبقاء على اتصال.» وذلك بحسب بيان صادر عن سفارة الولايات المتحدة في تونس ونشرته على موقعها الالكتروني .
وفي السياق نفسه أكد الاتحاد الأوروبي، ضرورة الحفاظ على «استقرار تونس وديمقراطيتها». وقال شارل ميشال، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، عبر تويتر: «جمعني ظهر اليوم (خلال اتصال هاتفي) نقاش عميق مع الرئيس سعيّد بشأن الوضع في تونس». وأضاف أن «الحفاظ على استقرار تونس وديمقراطيتها أولوية للبلاد والمنطقة، والاتحاد الأوروبي إلى جانب التونسيين في مواجهة الأزمات التي يمرون بها».
من جهته، أعرب وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو عن «القلق» بشأن الأحداث في تونس، إلا أنه أبدى الثقة بأن تتمكن الأطراف التونسية من تجاوز الازمة السياسية الراهنة داخل حدود الإطار الديمقراطي.
وقال دي مايو في تصريحات «لا يسعنا إلا أن نظهر قلقًا كبيرًا لما يحدث في تونس في الوقت الراهن. نحن على ثقة من أن هذه الأزمة يمكن حلها داخل حدود الإطار الديمقراطي بالأدوات المتاحة للمؤسسات التونسية والشعب التونسي»، حسبما قالت وكالة «آكي» الإيطالية. من جهتها، أعربت وزارة الخارجية الروسية عن أملها في تسوية الوضع والتناقضات الداخلية في تونس ضمن المجال القانوني، وذكر بيان للخارجية الروسية أن روسيا تنطلق من فرضية أن التناقضات الداخلية في تونس سيتم حلها حصريا ضمن الأطر القانونية، مضيفا :» نأمل أن تستمر العلاقات الودية الروسية التونسية والتعاون متعدد الأوجه في التطور التدريجي لصالح شعوب بلدينا». وأوصت الخارجية الروسية في بيانها المواطنين الروس في تونس بتوخي الحذر وتجنب الأماكن المزدحمة والاعتماد على المعلومات المنشورة على الموقع الإلكتروني للسفارة الروسية .
هل انتهى ربيع الاخوان ؟
وينظر البعض الى ان ما حدث في تونس كان مسارا طبيعيا لإغلاق صفحة ما يمكن تسميته بـ «ربيع الاخوان» والذي أوصل الإسلاميين إلى الحكم في المنطقة بعيد ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي» . والمعلوم ان هذه الحركات الإسلامية حاولت الاستفادة -قدر الإمكان من التحولات الدائرة آنذاك للوصول الى الحكم . ففي ثورة جانفي 2011 خرج شباب تونس للمطالبة بالتغيير والكرامة والعدالة وانهاء صفحة الفساد ولكن رياح الديمقراطية نفسها كانت تحمل معها تحديات عالية . فقد فشلت المنظومة السياسية -والتي حكمت طيلة عشر سنوات- في جرّ سفينة تونس الى برّ الأمان ولم تتمكن من الانصات لصوت الشباب ومطالبه . فارتفعت البطالة وتدهورت المؤشرات المالية والاقتصادية وعادت المحسوبيات مع اختلاف الحاكمين ، وتوقفت عجلة الإنتاج وتراجعت نسب النمو مع ارتفاع في نسب التضخم وغلاء المعيشة. بل ان الطبقة الحاكمة أدخلت البلاد في لعبة محاور إقليمية ودولية وجعلتها جزءا من الصراع الدائر بين منظومة «الاخوان المسلمين» والمعارضين لها، وغيرها من المحاور والصراعات الإقليمية والدولية. وغاب عن هؤلاء بأن تونس لها تاريخ استثنائي ولها خصوصية في كل التجارب التي خاضتها في مختلف مراحلها التاريخية الأكثر صعوبة، فتونس فرحات حشاد وبورقيبة والدغباجي و التي حررت أرضها من الاستعمار الفرنسي وقدمت شهداء فداء للوطن، والتي يتغنى جيشها الوطني بأنه حامي الديار، لا يمكن ان تقبل بالخروج من دائرة خصوصيتها وارثها المجتمعي وأصالتها. اعتبر كثيرون ان بداية نهاية هذه الحركات الاخوانية إقليميا كانت في مصر ولكن مع اختلاف كبير في ما يتعلق بطريقة انهاء هذا الحكم. لذلك لم يكن مستغربا بان تخرج جماعة الاخوان المسلمين وتدلي بدلوها فيما يحصل بتونس داعية الرئيس قيس سعيد، والقوى التونسية إلى «حوار جاد». وقالت الجماعة في بيان عبر موقعها الإلكتروني إنها «تتابع بأسف بالغ تطورات الأحداث المفاجئة الجارية في تونس».
وأكدت أنه «في هذه اللحظات الفارقة، احترام المسار الديمقراطي، والحفاظ على مكتسبات الشعب التونسي واختياراته الحرة هي أولى الأولويات».
وتابعت: «نناشد الشعب التونسي بكافة قواه السياسية والمجتمعية، بمن فيهم الرئيس والبرلمان والحكومة، إلى التداعي إلى حوار جاد».
واليوم تونس مقبلة على سيناريوهات عديدة، والأهم في كل هذه التحولات هو حماية الوطن من كل الأخطار وصون ديمقراطيته الفتيّة وتجربته الاستثنائية.