بيان شورى النهضة : مبادرة حكومة سياسية ... الكرة في ملعب الرئيس

اعلنتها حركة النهضة بشكل صريح، القبول بالتخلي عن حكومة المشيشي ورئيسها لكن ضمن مبادرة تطمح الحركة الى تنزيلها في الواقع

وقوامها حكومة سياسية بحزام متماسك في الحكم وفي البرلمان. وهي هنا تترك للرئاسة وباقي الفاعلين في المشهد هامشا للتحرك ومهلة تنتهى بنهاية شهر اوت القادم، وإذا انقضت دون تحقيق التقدم قد تلجأ الحركة الى خيارات اخرى.
حملت النقطة السابعة من بيان مجلس شورى حركة النهضة في دورته الـ50 اعلان سياسيا واضحا يفيد بتخلى الحركة عن دعمها لحكومة المشيشي، اذ تنص النقطة السابعةعلى ان الحركة «تدعو الى تكوين حكومة سياسية قوية في المرحلة القادمة تكون قادرة على مواجهة القضايا الراهنة وتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب».
دعوة مفادها ان النهضة تريد ان تنتقل من حكومة المشيشي التي تسوق لنفسها على انها حكومة مستقلة تضم الكفاءات، الى حكومة سياسية تضم ممثلي الاحزاب الداعمة للحكومة، وهي في الوضع الراهن حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس وكتلة الاصلاح.
لكن هذه الدعوة ليست لتشكيل حكومة سياسية برئاسة المشيشي مع الحفاظ على ذات الحزام الحكومي، بل هي مبادرة سياسية جديدة تقدمها الحركة، وذلك ما أكده عضو مجلس الشورى سامي الطريقي بقوله عنها انها «مبادرة مفتوحة» وان شدد على ان الاولوية بالنسبة لحركته هي النقاش مع حلفائها الأقربين: قلب تونس وائتلاف الكرامة.
تصريح الطريقي، حمل اشارة صريحة الى ان الحركة ناقشت في اشغال مجلس شوراها نقاطا عدة تعلقت بالاساس بالمناخ السياسي الحالي وبأداء الحكومة وحزامها السياسي الهش، والبحث عن تقارب مع رئيس الجمهورية وفق قواعد ومقاربة جديدة.
نقاشات استمرت ليومين، كانا مدة انعقاد اشغال مجلس الشورى، وانتهت باصدار بيان اهم ما جاء فيه هو الاعلان عن بحث النهضة على تكوين حكومة سياسية، وهنا الكلمات منتقاة بعناية لتقدم مبادرة الحركة. التي يكشفها سامي الطريقي وتتمثل في الذهاب الى حوار ينتهي بتكوين حكومة سياسية قوية ، وقوتها مرتبطة بقوة حزامها الداعم الذي تريد الحركة ان يكون متناغما أي ان يكون الحزام الحكومي هو الحزام البرلماني.
فالنهضة ووفق القيادي ضاق صدرها بسلوك حلفائها في الحكم وخاصة تحيا تونس والاصلاح، اللذين يريدان الاستفادة من الحكم دون ان يتحملا مسؤوليته، وذلك اثر تعالي اصوات في الكتليتين الإصلاح وتحيا بانتقاد النهضة والتنصل من تعثر الحكومة ومن أدائها الضعيف.
فالنهضة وهي تقترح مبادرة لتشكيل حكومة سياسية قوية تقر ضمنيا بان الحكومة الحالية ضعيفة، وقد فسرت الضعف بانه ناجم عن هشاشة الحزام او التعطيل الذي اصاب عمل الحكومة الا انها باتت تقر به وتعلن انها لم تعد مستعدة لتحمل اوزار ضعف الحكومة أيا كان سببه.
وعليه فان بقاءها في دعم المشيشي مرتبط بقدرته على ضبط ايقاع حكومته وحزامها، وهنا تدرك النهضة ان المهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة على الرجل. لذلك فهي تعرض المبادرة الباحثة عن تشكيل حكومة جديدة تقول انها ستتبع الاولوية فيها للمشيشي ولكنها تدرك ان قبول الخصوم بالمبادرة سيكون شرطه الاساسي رحيل الرجل.
شرط تتهيأ له النهضة وتتوقعه لكنها تريده ان يطرح في المبادرة ولا خارجها، وهذا يبرز اولا في النقطة الرابعة التي يشدد فيها الشورى على «ضرورة التضامن والتعاون بين مختلف مؤسسات الدولة في الحرب على الوباء بما يحقق الوحدة الوطنية في مناخ من التهدئة السياسية والاجتماعية بتغليب لغة الحوار وتأجيل الخلافات».
حوار ترغب فيه الحركة مع الجميع، وهنا تكشف النهضة عن انها لن تتخلى عن حلفائها في البرلمان، قلب تونس وائتلاف الكرامة وانها ستجعلهم جزءا من مبادرتها، والقصد هنا صريح وهو تحسين شروط التفاوض وتامين اغلبية للحركة في البرلمان مقابل التخلي عن تحالفها معهما. وان كانت الحركة وعلى لسان القيادي بها سامي الطريقي تتمسك بتحالفها مع الكتلتين وانها لا تنوي المقايضة بها.
ما تعلنه النهضة في بيان شوراها ويشرحه قياديوها هو اعلان صريح عن التوجه لتغيير المعادلة السياسية في البلاد، وهذا التغيير يتزامن مع تقارب بين الحركة ورئاسة الجمهورية اثر اللقاء في جوان الفارط بين الرئيس وراشد الغنوشي.
لكن هنا ترفض النهضة ان يقع الربط بين الحدثين، وتعتبرهما منفصلين، فاللقاء مع الرئيس كان لإذابة الجليد لالصياغة توافق او صفقة وايضا السياق العام في البلاد لا يسمح باهدار الوقت وعدم التحرك لانقاذ الوضع.
وخطة الانقاذ التي تقدمها النهضة حوار للوصول الى حكومة سياسية قوية، وهي مبادرتها التي تريد ان تكون محل نقاش للوصول الى توافق يسمح بانطلاق السنة السياسية الجديدة في اكتوبر القادم بحكومة جديدة.
حكومة تريدها الحركة محل رضا الرئيس الذي لا تريد ان يعترض او يحول دون تسلمها لمهامها، وهنا تطرح الحركة عدة خيارات تعتبرها دستورية للوصول الى هذه الحكومة، اما الاستقالة وهذا مرتبط بمدى التجاوب والانسجام مع الرئاسة او سحب الثقة وهذا مقترن بفرضية لا تكون فيها الرئاسة جزءا.
حكومة تقول النهضة ان خيارها الاول المتعلق بها هو التوافق مع الجميع وخاصة الرئيس لضمان عدم تعطيلها اما الثاني واذا فشل الحوار فانه الابقاء على المشيشي مع تعديل جوهري لحكومته برمتها واذا تعذر هذا فالنهضة ستغادر الحكم وتلتحق بالمعارضة.
هذه الخيارات الثلاث يقدمها الطريقي ويدافع عن ان حركته جدية في طرحها، وانها تقدم للشركاء السياسين في البلاد مبادرة مفتوحة متعددة الخيارات، وما عليهم الا التفاعل معها بهدف او الذهاب الى خيارات اخرى من بينها انتخابات مبكرة.
خيارات وان بدأ في ظاهرها انها تعكس انفتاح الحركة على كل الخيارات الا انها تكشف بشكل ضمني عن ان النهضة انطلقت في تنزيل «التوافق» بينها وبين الرئاسة وان تمسكت بانكاره، وهذا يعنى اننا في الايام القليلة القادمة سشهد نسقا جديدا في الساحة السياسية وتقاربا بين القصر وباردو اللذين سيجمعهما اليوم هدف مشترك، وهو حكومة جديدة دون المشيشي الذي يريد الجميع اليوم التخلص منه ومن ثقل تكلفته السياسية عليهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115