على ضوء نتائج الدورة الرئيسية لامتحانات الباكالوريا : التميز الفردي وفشل المنظومة التعليمية ؟

رغم المؤشرات الإيجابية الخاصة بالدورة الرئيسية للبكالوريا 2021 التي قدمتها وزارة التربية التونسية، الا ان الحقيقة تعلن عن نفسها بشكل

صريح وهي ان منظومتنا التربوية والتعليمية في أوكد الحاجة الى إصلاح جوهري يشمل كل اركانها.

صدرت امس نتائج الدورة الرئيسية لبكالوريا 2021 والتي كشفت مرة اخرى عن الخلل الذي اصاب المنظومة التعليمية رغم المؤشرات العامة التي قدمت من قبل وزارة التربية والتي تكشف عن ان نسبة النجاح في هذه الدورة كانت قياسية مقارنة بباقي السنوات وبلغت 44.30 % مع تحقيق 4 من ابناء المدرسة العمومية للمرتبة الاولى في اختصاصاتهم.
وكان ثلاثة ممن تحصلوا على افضل معدلات على المستوى الوطني يدرسون في مؤسسات تربوية بالشمال الغربي. جندوبة والكاف. ليقع كسر احتكار هذا الامتياز الذي ظل لسنوات حكرا على ولايات الوسط الشرقي او تونس الكبرى.

ثلاثة من ابناء المدرسة العمومية بالشمال الغربي وللدقة، اثنان من ابناء المعهدين النموذجيين بالكاف وجندوبة وتلميذ بالمعهد الثانوية بغار الدماء من ولاية جندوبة. حققوا افضل معدلات على مستوى وطني في اختصاصات الاداب والرياضيات والعلوم التجريبية. من بينهم التلميذة مرام المرزوقي صاحبة افضل معدل على مستوى وطني وهو 20.
هذا التميز الفردي، الذي جسد قوة عزيمة هؤلاء التلاميذ والتلميذات من ابناء الشمال الغربي يبرز بشكل فارق التناقض المسجل في نتائج هذه الدورة الرئيسية لبكالوريا 2021، فالثلاثي قادم من مناطق تكشف عن عمق الفوارق والتمييز في المنظومة التعليمية التونسية، اذ ان ولاية جندوبة وان قدمت صاحبة افضل معدل هذه السنة تحتل المرتبة الاخيرة 26 بنسبة نجاح تقدر بـ35.7 % اما الكاف فهي في المرتبة 18 بنسبة نجاح تقدر بـ39.68%. وهي نسب اقل من المستوى الوطني وهو 44.30%.

هنا يتجلى الخلل في المنظومة التي باتت تجسد نسب النجاح فيها عمق التمييز والفوارق بين الجهات في البلاد وانعدام تكافؤ الفرص والذي يتعمق سنة بعد سنة تاركا المجال للامتياز الفردي ليعلن عن نفسه ويحدث المفاجأة وهو ما كان في نتائج الدورة الرئيسية. التي قدمت مؤشرات مهمة وفتحت فسحة امل خاصة لابناء الجهات الداخلية التي تصنف كمناطق ذات اولوية بان العزيمة والعمل يضمنان الامتياز وان في مناخات وسياقات غير مشجعة عليه حتى وان كان في شروطه الدنيا. لكن العزيمة والاصرار قادران على تحقيق التمييز. لكن هنا علينا ورغم اهمية التمييز الفردي ان لا نغفل عن ان هذا لا يحجب الخلل في المنظومة.

منظومة تربوية ورغم شعار المساواة وتكافؤ الفرص الذي ترفعه منذ سنوات التاسيس الى حد اليوم فانها وفي الممارسة الفعلية قد نسفت هذه المبادئ التي تقوم على توفير ذات شروط النجاح وضمانته لابناء المدرسة العمومية في مختلف مناطق البلاد، بل ان الدولة تخلت فعليا عن هذا الدور الضامن لتكافؤ الفرص وعن التعليم العمومي كقاطرة ومصعد اجتماعي يحرك المجتمع ويحدث نقلة فيه.

هذا الدور وقع النكوص عنه وبذلك تعمقت الفروقات بين الجهات خلال السنوات الثلاثيين الفارطة بالأساس. لنجد خارطة تكشف عن تطابق بين خارطة النجاح في البكالوريا وخارطة التنمية والفقر في البلاد. لنجد ان الولايات الـ14 المصنفة كولايات ذات اولوية تسجل فيها نسبة نجاح دون المعدل الوطني فيما الولايات العشر الاخرى خارج تصنيف الاولوية تسجل نسبا تتجاوز 50% .

هذا المؤشر يشرح كيفية اعادة انتاج ذات المناخات والظروف التي ادت الى اختلال كل منظوماتنا الصحية والتنموية والتربوية والثقافية، واذا اردنا الاصلاح فيجب اولا ان نحيي مبدأ تكافؤ الفرص، وهنا لا يقف الامر عند العموميات من ان الجميع سواسية وهم ابناء المدرسة العمومية ولهم ذات الامتيازات ويواجهون ذات الصعوبات والعراقيل. اذ ان هذ غير صحيح فابناء المدرسة العمومية بالولايات المهمشة لا يقفون عند ذات نقطة البداية مع غيرهم من اترابهم، فهناك فروقات في الظروف التي توفر لكل منهم والمساحات او ما يمكن ان يطلق عليه بـ»الراس مال الرمزي و الثقافي والاجتماعي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115