بعد أن استفحلت الأزمة الصحية وانتشرت العدوى : الرئاسة والحكومة والبرلمان، التسابق من أجل الظفر بصفة المنقذ

من قواعد الصحافة ان الخبر مقدس والتعليق حر، وبعض الاخبار لا تحتاج الى تعليق ومنها التهافت اللافت للنظر للمؤسسات السياسية التونسية

خلال الايام الفارطة رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة ورئاسة برلمان على لعب دور المنقذ في ظل اسوء ازمة صحية تعيشها تونس منذ استقلالها.
بات جليا ان فهم وتفسير افعال الساسة التونسيين خاصة من هم في الحكم متصل بحالة التسابق بينهم على الظهور بأثواب تتغير بتغير الفصول السياسية والأحداث. مرة بالظهور بثوب الثوري ومرة بثوب المحنك العاقل وأخرى في ثوب المنقذ المختار الذي سينقذ التونسيين من شرور باقي السياسيين ومن أخطائهم التي حشرتنا في اسوء ازمة عرفتها البلاد.
ازمة صحية باتت في اشد درجات الخطر الذي تكشفه مؤشرات الحالة الوبائية. وذلك بنسبة انتشار العدوي وتدهور وضع المؤسسات الصحية وبلوغها طاقة استيعابها القصوى مما ضغط على المنظومة الصحية المتهالكة بطبعها. كذلك ضغط اجتماعي واقتصادي ساهم في ارتفاع منسوب التمرد على القرارات والإجراءات الوقائية من قبل التونسيين.
مؤشرات خطرة كانت تسجل منذ ثلاثة اسابيع فارطة ولكن لم تتخذ اي سلطة قرارات للتوقى والحد من الخطر. فقد انشغلت كل السلطات السياسية بالصراعات. واليوم وبعد ان بلغنا مرحلة الخطر المهدد بكارثة انسانية وصحية استفاقت الآن لتبحث عن تدارك الامر ومسارعة كل منها الى التدخل.
استفاقة لم تكن لتحدث لولا ضغط الشارع، والصور التي تناقلها مستعملو شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت المحدد في السياسيات العمومية، لتعلن الرئاسة عن قرارات من اهمها تركيز مستشفيات ميدانية في الجهات التي تشهد ارتفاعا في نسب انتشار الوباء.
وقد التحقت الحكومة لاحقا وبعد يومين من انطلاق الكارثة في القيروان وباجة وسليانة، لتعلن عن اجراءات عدة تتعلق بإعلان حظر صحي في الولايات التي ترتفع فيها معدل الاصابة بالعدوى الى 400 مصاب عن كل 100 الف ساكن، وإجراءات اخرى فصلتها وزارة الصحة التي اعلنت عن انها عدلت من استراتيجية التلقيح بفتح مراكز جديدة بلغ رقمها 18 وبتعديل في قائمة اصحاب الاولوية بالانتفاع بالتلقيح.
اجراءات صدرت عن سلطة تنفيذية تراخت طوال عمر الازمة في انتهاج سياسة تحترم المعطيات العلمية والطبية التي يوصى بها، ولجأت الى التنصل من المسؤولية بإلقائها على التونسيين تبعها منذ امس ارتفاع صوت مجلس النواب وأساسا لجنة الصحة فيه لجنة برلمانية باتت تنتقد وبشدة سياسة الحكومة وتعتبرها غير جدية وتطالب بان يقع اتخاذ اجراءات تحمي التونسيين وصحتهم حتى وإن كانت كلفتها الاقتصادية باهظة وهو ما كرره رئيسها العياشي زمال في تصريحاته الصحفية خلال الساعات الـ24 الفارطة. معتبرا ان الحكومة عليها ان تتخذ اجراءات شجاعة بدل تكرار سياستها التي ادت لتفاقم الازمة.
لجنة الصحة بالبرلمان قدمت حزمة من المقترحات من بينها تسريع عملية التلقيح وتوعية المواطنين بالخطر وتركيز مستشفيات ميدانية في الجهات الاكثر تضررا ودعوة الحكومة لارسال قانون الطوارئ الصحية كما انها اعلنت عن بقائها في حالة انعقاد.
تدخلات تكشف عن أن الهم الرئيسي لرأسي السلطة التنفيذية الاساسي والطبقة الحاكمة ليس معالجة الملفات بما تستوجبه من ابسط القواعد واعمال العقل بل بما تقتضيه ضرورات الدعاية السياسية ونحت صورة المنقذ في اذهان التونسيين.
تحركات مؤسسات الدولة لم تأت الا بعد ان بلغت البلاد ازمتها، -وهذه ليست المرة الاولى- وهو ما يجعلها محل ريبة خاصة وان هذه المؤسسات لم تتحرك رغم علمها بكل تفاصيل الوضع الوبائي الخطر وبنتائج سياساتها المتبعة.
سياسات القت خلف ظهرها توصيات منظمة الصحة العالمية، وتحذيراتها من ان طول امد الازمة سيتسبب في حالة تململ في صفوف المجتمع ويقلص حذرها والتزامها بالاجراءات الوقائية، وان الازمة تستوجب معالجة متكاملة وتركيز كليا على دعم قطاع الصحة ليجاري الاوضاع.
كل هذا كان معلوما وإذا لم يحصل ذلك فتلك مصيبة اخرى، تجعل من تحركات الحكام اليوم محل شك خاصة وانها لم تصدر الا بعد ان بلغ الغضب اشده في الشارع وارتفعت حدة الاحتقان المحذرة من انفجار، انفجار يرغب الفاعلون في استثماره وهذا لا يكون لهم ما لم يلعبوا دور المنقذ .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115