الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة : غابت الرئاسات والسلطة وحضر الغضب والخيبة

لا شيء كان يوحي أمس بان تونس بلغت الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة، صمت رسمي وغياب الاحتفالات او أي من مظاهر

الاحتفاء بتاريخ 17 من ديسمبر، الذي مر وكأنه لم يوجد الا في اوراق نشريات التقويم السنوي او في بعض المنابر الاعلامية التي ذكرت بان البلاد تحتفي بالذكرى العاشرة لثورتها في ظل أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية القت بثقلها على الصدور فحل الخوف والحنق محل الفرح والابتهاج بزوال نظام دكتاتوري.
بين 17 من ديسمبر 2010 وذات اليوم من 2020 عشر سنوات مرة ومعها خفت بريق الثورة التي منحت املا في تونس اخرى ممكنة، امال لم تدم طويلا فعشر سنوات كانت كفيلة بأن ترى العين ما لم تكن تحسب انها ستلقاه، ان تصبح الثورة بلا «اهل» ولا محتفلين ولا حاملين لرايتها يحتفلون بذكراها.
حلت الذكرى العاشرة لانطلاق الشرارة الاولى للثورة، تاريخ إقدام الشاب محمد البوعزيوي على اضرام النار في جسده امام مقر ولاية سيدي بوزيد صباح 17 من ديسمبر 2010 قبل ان تنتشر النار من جسده الذي ووري الثرى في 6 جانفي 2011 ومنه الى جسد النظام الحاكم في تونس، الذي انهار في 14 من ذات الشهر 2011.
هذه الثورة وذكرى اندلاعها لم تجد لها محتفلين محتفين بها، اذ وبشكل ما تقاطع من ينتسب الى الثورة وينسب نفسه اليها ويعلن انه من حماتها والمدافعين عنها مع من يعلنون العداء والضجر منها ومما تسببت فيه من تداعيات جعلت من وجهة نظرهم تونس قبل 2011 افضل مما هي عليه اليوم.
لئن كان موقف الطرف الثاني قابلا لفهم اسبابه ومنطلقه ورفضه احياء الذكرى العاشرة لها باعتبار انه يقيم السابق على انه افضل من الحاضر، خاصة في الجانب الاقتصادي والأمني والاجتماعي. فان ما يفهم هو صمت كل المؤسسات الرسمية والقائمين عليها، رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، عن احياء هذه الذكرى وكأنهم يعلنون ان البلاد في قطيعة مع ثورتها وما أفرزته وهم ممن افرزتهم.
قطيعة تبرز في غياب أي شكل من اشكال الاحتفاء الرسمي او التذكر خلافا لما كان عليه الامر في السابق خلال السنوات الـ9 السابقة حينما كانت سيدي بوزيد في هذا التاريخ محجّا لأصحاب السلطة والطامحين للعب دور سياسي قادم، هذه السنة لم تشهد مواكب رسمية او حزبية ولم يتذكرها غير رئيس الجمهورية الذي عرج عليها وهو يعلن عن تعذر زيارته لها في تاريخ 17 لسبب طارئ. وفق بلاغ للرئاسة جاء فيه «أن رئيس الجمهورية لا يمكنه أن يتحول إلى سيدي بوزيد منطلق الانفجار الثوري غير المسبوق في التاريخ، وذلك نظرا لالتزامات طارئة». ولكنه في المقابل توجه إلى أهالي سيدي بوزيد بالتحية والإكبار ووعدهم بلقاء قريب.
تعذر الزيارة لأسباب طارئة هي حجة الرئيس، والحجر الصحي حجة رئيس الحكومة الذي الغى زيارته الى ايطاليا بسبب اصابة احد افراد وفده بالكورونا ودخوله للحجر الصحي، اما المجلس فلم يقدم حجته بعد وان كان رئيسه اعلن عن انخراطه في احياء الذكرى العاشرة للثورة بتغير صورة صفحته الرسمية بصورة تحتفي بالثورة قبل ان يزيلها ويعيد صورته القديمة مع تأثيث اطارها بشعار «تونس غدوة خير» الذكرى العاشرة للثورة التونسية ونشره لبيان حركته، حركة النهضة المتعلق بالذكرى العاشرة لاندلاع الثورة.
ثورة لم يحتف بذكرى اندلاعها في سيدي بوزيد غير ابناء الجهة وبعض السياسيين في منابر الاعلام، دون ذلك غاب كل ما قد يوحي بان تونس «فرحة» بسنتها العاشرة بعد الثورة. فرح غاب عن الشارع الذي يفهم منه الغضب والقنوط. فالبلاد تعيش على وقع ازمة اقتصادية واجتماعية فاقمتها الازمة الصحية وهي مهددة بالتأزم اكثر في ظل غياب تصور واضح لدى النخب الحاكمة والسياسية عن تونس وثورتها وأولويتها وكيفية ادارة الشأن العام.
غياب يبرز في استفحال الازمة السياسية التي اصابت القائمين على الحكم الذين لم يعد يخفى تخبطهم وتعثر خطواتهم الناجم عن غياب أي تصور ورؤية سياسية جعلتهم بشكل مبطن او معلن يتجنبون الذهاب الى الشارع لمشاركته احياءه لذكرى اندلاع الثورة، فهم لم يحملوا معهم ما قد ينجيهم من الغضب وشعارات الرفض.
10 سنوات مرت على اندلاع الثورة، وسنة على انتخابات 2019 والمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي بلغ ذروة ازمته التي باتت تهدد الجميع، ازمة كان ينتظر ان تدفع الطبقة السياسية الى هدنة والجلوس على طاولة حوار للبحث عن مخرجات تقي البلاد وتقيهم من تبعات الفشل التام وانهيار الدولة في ظل عجز الماسكين بمقاليد الحكم عن ايجاد حلول فعلية تنقذ البلاد من المجهول.
حلول بات لا مناص منها للإنقاذ، أن المؤشرات الاقتصادية وانسداد الافق السياسي يكشفان الازمة بل ان المناخ العام في البلاد وكل تفاصيل معاشها اليومي تبين هذه الازمة وعمقها وتبين اكثر ضرورة الاصلاح وضرورة الاسراع في ذلك. اذ ان الوقت لم يعد يسمح بترف الانتظار.
هذا الانتظار هو ما يدعو اليه رئيس الدولة للإعلان عن قبول مبادرة الاتحاد بشكل واضح وصريح وتنزيلها على الأرض فالرئيس يعتبر ان الحوار ليس الهدف بل مخرجاته وهو مصيب في هذا ولكنه يلقي بالكرة الى ملعب الخصوم وهم بالاساس النهضة التي يريد ان يدفعها لتنازل والتخلى عن حليفيها والقدوم الى الحوار بمفردها.
خطوة الرئيس توحي بان البلاد تعيش في وضعها الطبيعي، لا ازمات فيها ولا خطر يهدد كيانها والحال انه وعلى لسانه يعتبر نفسه سيد العارفين بالتفاصيل والخطر المحدق بالبلاد الذي يتطلب الاسراع بإنقاذها قبل ان يفوت الاوان.
آوان كل ما يخشى انه بات فوق انوفنا ولم يعد يفصلنا عنه الكثير، في ظل التقاء كل عناصر الانتكاسة والعودة الى الخلف، ازمة سياسية واقتصادية واجتماعية وبروز اصوات تنادي بإقحام الجيش في المشهد او تعليق العمل بالدستور، وارتفاع نسبة التشاؤم والغضب في الشارع واعتبار التونسيين ان الثورة لم تحمل معها التغيير المنشود لهم، فصعوبات عيشهم تضاعفت ولم تعالج أي من مشاكلهم اليومية.
ثورة حلت ذكراها العاشرة ولم تحفظ الامل ولم تحقق التغيير في نظر التونسيين الذين ربطوا بين الثورة والطبقة السياسية فعكسوا تقييمهم لمن انتخبوهم لإدارة البلاد على الثورة واعتبروا ان فشل من يحكم هو فشل لثورة تفقد انصارها في ظل تنامي خطاب يمجد القديم ويبحث عن إحيائه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115